هل يسيطر الحرس الثوري على حكومة إيران؟
نظرية «السياسيين الجبناء» تدفع الحرس للتفكير قبل دخول معترك الانتخابات انقسام وخلافات عميقة بين أكبر معسكرين يمثلان عصابة الملالي الحرس تحول إلى المحرك الرئيسي للاقتصاد ويتفنن في تشويه خصومه
الثلاثاء / 13 / محرم / 1442 هـ - 19:45 - الثلاثاء 1 سبتمبر 2020 19:45
توقع تقرير صادر عن مجلة فورين بوليسي الأمريكية أن يسيطر الحرس الثوري على الحكومة الإيرانية خلال انتخابات يونيو 2021، التي ستشهد تنافسا مثيرا بين المتشددين لخلافة حسن روحاني.
ويؤكد أن عصابة الملالي تشهد انقساما بين معسكرين سياسيين رئيسيين، حيث تدير المؤسسات المنتخبة التي يسيطر عليها المحافظون شؤون الدولة في ظل قوة منصب المرشد الأعلى الذي تخضع له المنظمات الأمنية، بما في ذلك الحرس الثوري الإيراني، ويكافح الإصلاحيون لأكثر من عقدين داخل المؤسسة السياسية لتعزيز قوة المؤسسات المنتخبة ضد سلطة الدولة الموازية، ومع فشل المشروع يرفع الإصلاحيون الراية البيضاء ويستعدون للهزيمة على أيدي قادة الدولة الموازية الذين سيستولون عليها لتعزيز سلطتهم.
من الرأس للقدم
يشير تقرير فورين بوليسي إلى المقولة الشهيرة المنتشرة في إيران والتي تقول «السلطة تنتزع من الرأس ليتولاها القدم»، أي إن القرارات تصدر من أصحاب العمامات وينفذها من يرتدون البيادات العسكرية.
ويقدم البرلمان الإيراني أحدث دليل على ذلك، فرئيسه محمد باقر قاليباف، عميد سابق في الحرس الثوري، وثلثا أعضاء الهيئة المشرفة على البرلمان إما أعضاء سابقون أو لا يزالون منتمين إلى الحرس الثوري الإيراني ومنظماته، ولطالما توقع كثيرون في إيران والولايات المتحدة استيلاء الحرس الثوري على الحكومة الإيرانية، وستكون الخطوة التالية انتخاب مرشحه رئيسا في 2021.
إحباط الإيرانيين
ويزداد الإحباط في إيران من التوترات الحزبية والأزمات المتفاقمة، وانهيار اقتصاد البلاد، وأدى كبرياء الإيرانيين المجروح واستياؤهم من عدم الوصول إلى المكانة الدولية اللائقة إلى ظهور شكل جديد من القومية.
ويبدو أن الرئيس حسن روحاني، غير قادر على الوفاء بوعوده الداخلية أو الخارجية، حيث أقر بالهزيمة، كما تشير إدارته الأخيرة للوباء، حيث كان مترددا في الاعتراف بأن فيروس كورونا الجديد يمثل تهديدا وطنيا حتى فوات الأوان، وأدت رسائله المتناقضة حول هذا الموضوع إلى إرباك الجمهور، بل وتعرض لانتقادات من المرشد الأعلى، في المقابل يمتلك الحرس الثوري الإيراني يدا تزداد قوة، لكن طبيعة مزاياه بحد ذاتها قد تمنعه من أن يصبح حارسا للدولة.
نخبة فاسدة
أصبح الحرس الثوري الإيراني محور الاهتمام الوطني والدولي ابتداء من أواخر التسعينات، بعدما تولى الإصلاحيون السياسيون مقاليد الحكومة الإيرانية المنتخبة، وبدأت إحدى وسائل الإعلام الإصلاحية ذائعة الصيت في انتقاد الحرس الثوري الإيراني، وردا على ذلك بدأ في رسم صورة مبالغ فيها عن نفسه.
يقدم الحرس الثوري نفسه كعلاج للاضطراب القومي الإيراني، وهو في الواقع جزء كبير من المشكلة؛ ففي ظل العقوبات الأمريكية، قام الحرس بتوسيع اقتصاد سري مكتمل بنخبة فاسدة جديدة من رواد الأعمال المهربين.
ويمنع الحرس الثوري الإيراني الحكومة من تجنيد الخبراء الذين يعتبرهم غير لائقين سياسيا، كما أنه يخرج السياسات والمشاريع الحكومية عن مسارها كما يشاء، وطوال الوقت، تصدر دعاية تصر على أن السياسيين والبيروقراطيين هم المسؤولون.
تشويه الخصوم
اعتاد الحرس الثوري الإيراني أن يسعى إلى تشويه سمعة خصومه، مثل أعضاء إدارة روحاني، الذين وصفهم بانتظام بأنهم «متواطئون» و»غير أكفاء» و»موالين للغرب»، والآن يلقي باللوم على جميع الفصائل السياسية.
وعلى مدى العقد الماضي، استثمر الحرس الثوري الإيراني في إنتاج تاريخ تنقيحي من خلال الأفلام الوثائقية والأفلام الروائية والمسلسلات التلفزيونية المصممة لجذب الشباب الذين لم يعاصروا ثورة 1979 وما بعدها.
وتقدم هذه الوسائل الإعلامية رواية مفادها أن الحرس الثوري حمى الشعب وحارب من أجل الوطن، بينما كانت النخب السياسية تتقاتل فيما بينها، وعملت في كثير من الأحيان ضد مصالح الأمة لتحقيق مكاسب شخصية أو حزبية.
عملاء التخريب
يعتقد الحرس الثوري أنه القوة التي هزمت تنظيم داعش ومنعت الأجانب وعملاءهم التخريبيين من اختراق البلاد، ويفتخر أيضا بخبرته التكنولوجية، في حين فشلت حكومة روحاني 4 مرات في إطلاق قمر صناعي، بينما نجح الحرس الثوري في إطلاق قمر صناعي عسكري من أول محاولة.
وحتى في الأعمال الخيرية، يروج لدوره باعتباره منقذا للبلاد، وخلال جائحة كورونا وزع المساعدات والطرود الغذائية على 3.5 ملايين أسرة إيرانية محرومة، وتشكك منظمات المجتمع المدني المستقلة في عمق وتأثير هذه التدخلات، لكن لا أحد لديه عملية إعلامية فعالة مثل الحرس الثوري الإيراني.
ولا يشفع إضفاء الطابع الإنساني للحرس الثوري على أنه مصدر عنيف للقمع، حيث لا يزال المواطنون الليبراليون المنتمون إلى الطبقة الوسطى في طهران يتذكرون استعراض القوة خلال احتجاجات الحركة الخضراء عام 2009، وكان لحملة الحرس على مظاهرات العام الماضي عواقب وخيمة على الإيرانيين الفقراء، ويبدو أنه يرغب في بث الخوف وكسب الحب في الوقت نفسه.
أكبر المقاولين
بالغ الحرس الثوري في دوره الاقتصادي بإيران، ووثقت دراسة حديثة أنه حتى عام 2014، لم يكن لدى الحرس الثوري وغيره من المنظمات شبه الحكومية السطوة في أي من القطاعات الاقتصادية الـ 22 العليا في إيران، لكن لا توجد علاقة مباشرة بين الملكية والسيطرة في النظام الاقتصادي الإيراني.
وتقوم الشركات المملوكة للبرجوازية الإيرانية أحيانا بتجنيد أعضاء مجالس إدارات ومديرين تابعين للحرس الثوري الإيراني من أجل تسهيل مناورات الأعمال، وينشئ الحرس أحيانا شركات للعمل تحت ستار القطاع الخاص، وبهذه الوسائل وغيرها، أصبح الحرس صاحب عمل لا غنى عنه وأحد أكبر المقاولين العامين في البلاد في مشاريع البناء.
سيطرة على المشاريع
ويفتقر الحرس الثوري إلى الموارد البشرية والخبرة اللازمة لإدارة أعمال بملايين الدولارات في مجالات الاتصالات والبنوك وبناء السفن والصناعات البتروكيماوية، ويعمل قسم كبير من البرجوازية العلمانية الإيرانية إما بشكل مباشر أو كمقاولين من الباطن للتنظيم العسكري.
وقبل عقد واحد فقط، اعتبرت النخب الثقافية العمل في المشاريع التي كفلها الحرس الثوري أو مولها من المحرمات، الآن لم يعد هذا هو الحال، على سبيل المثال، عمل مسعود كيمياي، المخرج الشهير الذي حافظت أفلامه قبل الثورة على مكانة كبيرة، أخيرا مع منتج تابع للحرس الثوري الإيراني، وقام المخرج محمد حسين ماهدافيان وهو من أشد المؤيدين لروحاني بإنتاج أفلام وثائقية حائزة على جوائز وأفلام روائية مدعومة من الحرس الثوري الإيراني.
شبكات المحسوبية
يتمتع الحرس الثوري الإيراني بعدد من المزايا في التنافس على السلطة في إيران، لكنه لا يكاد يكون كتلة صلبة لا يمكن إيقافها.
وعلى الرغم من الحصة الاقتصادية الكبيرة التي يمتلكها الآن، لا يزال الفرع التنفيذي لإيران يحكم الاقتصاد في جميع المجالات الحيوية، وتضع الحكومة السياسة المالية والنقدية، وتتحكم في موارد النفط والغاز، وتدير خزينة الدولة، وتهيمن الحكومة أيضا على الرعاية الاجتماعية والمساعدات الإنسانية، التي يعتمد عليها الحرس الثوري بشكل متزايد لبناء شبكات المحسوبية الخاصة به.
علاوة على ذلك، فإن الحرس أكثر انقساما وأقل انضباطا من الداخل، وشهد الكثير من التوترات، حيث نشبت نزاعات بين القادة رفيعي المستوى خلال الحرب الإيرانية العراقية، وأصبح الضباط المحبطون الذين تركوا الحرس خلال الثمانينات دعاة بارزين للإصلاح السياسي، وترك البعض الفيلق خلال شقاق واحد في أوائل التسعينات، وغادر آخرون في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.
انقسام داخلي
وثق خبراء الحرس في الفترة الحالية الفجوة بين الأجيال، لكن شبابه منقسمون على أنفسهم، وتعكس وسائل الإعلام العديدة للحرس هذه الاختلافات، وعلى سبيل المثال، توقفت أخيرا منظمة الأوج للفنون والإعلام التابعة له عن تصوير الخصوم في أفلامها على أنهم أعداء قبيحون ومضحكون للنظام، وبدلا من ذلك، تكون الشخصيات معقدة، بل يمكن ربطها ببعضها بعضا.
في الوقت نفسه، أنتج فرع إعلامي آخر تابع للحرس الثوري الإيراني برنامجا تلفزيونيا يسمى غاندو، برر اعتقال مراسل واشنطن بوست جيسون رضائيان، وأخبر القصة بعبارات بيضاء وسوداء.
ووصلت التوترات بين هاتين المجموعتين الإعلاميتين الشابتين في الحرس الثوري أحيانا إلى الجمهور، وانتقدت المجموعة الثانية في فبراير طريقة أوج في صناعة الأفلام بشدة، متهمة إياها بـ»إهدار أموال النظام وموارده لإيذاء النظام».
قبضة وحشية
لم تجلب يد المساعدة ولا القبضة الوحشية بالكامل للحرس الثوري الإيراني الاحترام الذي يريده، ربما أدى اغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني في يناير الماضي إلى تضامن لفترة قصيرة، حيث حجب الإيرانيون الغاضبون صورهم الشخصية على وسائل التواصل الاجتماعي احتجاجا وحدادا، لكن بعد أيام، أسقط الحرس طائرة ركاب أوكرانية، واحتفظ الأشخاص أنفسهم بصور ملفاتهم الشخصية سوداء للتعبير عن غضب مختلف.
هدد كيمياي بسحب فيلمه من المهرجان الأول في البلاد، وفرض التلفزيون الوطني رقابة على خطاب مهدويان في حفل ختام المهرجان لأنه تعاطف علنا مع آباء المتظاهرين الذين قتلوا خلال اضطرابات عام 2019.
تهديد وقمع
يواصل الحرس الثوري الإيراني تهديد المعارضين وقمع المعارضة، لكن الخوف لا يستمر دائما، ففي أبريل ادعى القائد العام للحرس الثوري أن المجموعة اخترعت جهازا يمكنه اكتشاف فيروس كورونا الجديد من مسافة 328 قدما، مما سبب موجة من السخرية اجتاحت منصات وسائل الإعلام، ووصفت جمعية الفيزياء الإيرانية، هذا الادعاء بأنه «قصة خيال علمي».
قد تكون القوة السياسية الأكبر للحرس الثوري هي ضعف خصومه. فاز روحاني بالانتخابات عامي 2013 و2017 على وعد بإعادة الأمل للشعب الإيراني، ومع اقتراب نهاية ولايته يسيطر اليأس على الإيرانيين بعد أن أصيبت البلاد بشلل تام.
اندلعت الاحتجاجات على مستوى البلاد عامي 2018 و2019، وسحقها الحرس الثوري، وساعدت حكومة روحاني بنشاط قوات الأمن أو نظرت إليها بشكل سلبي، وتفتقر الإدارة الآن إلى المصداقية لتعبئة قاعدتها الاجتماعية ضد الحرس الثوري في صناديق الاقتراع أو في الشوارع.
شوكة في الجنب
ويطرح التقرير سؤالا مهما: هل يرغب الحرس الثوري حقا في إدارة الحكومة؟ مؤكدا أن الأمر يبدو معقدا، فالموارد السياسية والاقتصادية التي تحتفظ بها الحكومة مغرية بالتأكيد، لكن التجربة أظهرت أن من يتولى السلطة التنفيذية، بغض النظر عن الانتماء السياسي، من المرجح أن يصبح شوكة في جانب الحرس الثوري، حتى الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد الذي جاء بدعم كامل من المنظمة، سرعان ما بات من الأعداء.
أثبت التاريخ مرارا وتكرارا أن أولئك الذين يتولون أدوارا تنفيذية وإدارية يستثمرون في تعزيز التطبيع، حتى على حساب الحماس الثوري، ومع ذلك، فإن الأخير هو مخزون الحرس الثوري الإيراني في التجارة.
انتقام قاس
يمكن للحرس الثوري الإيراني أن يتمتع بأفضل ما في العالم، ويحافظ على بعده عن الأعمال اليومية للحكم ويتدخل فقط عندما يرغب في ذلك، وإذا أدار بدلا من ذلك الشؤون اليومية للبلد، فسيضطر إلى إجراء تعديلات وتنازلات مستمرة قد تضر بسمعته الثورية.
على سبيل المثال بعد مقتل سليماني، دعا بعض مقاتلي الحرس الثوري الإيراني إلى «انتقام قاس»، لكن التنفيس الموعود لم يأت أبدا، لم يتحمل قادة الحرس الثوري الإيراني العبء الأكبر من غضب المقاتلين لأنهم بدلا من ذلك يمكنهم إعادة توجيهه نحو «السياسيين الجبناء».
وجد قادة الحرس الثوري الذين يقفون خارج الحكومة عددا من المناسبات لالتقاط الصور، فهم يتعاطفون مع العمال المضربين عن أجورهم غير المدفوعة، ويشاركون في جهود الإنقاذ والإغاثة بعد الفيضانات والزلازل، ويقفون مع المتقاعدين الذين يلقون باللوم على الحكومة لفقدانهم مدخراتهم، رغم أنه في الحقيقة المؤسسات المالية المرتبطة بالحرس الثوري هي التي سرقت أموالهم. تولي السلطة التنفيذية يعني مقايضة المجاملة العرضية بالمسؤولية الدائمة.
عودة المتشددين
من المتوقع على نطاق واسع أن تنذر الانتخابات الرئاسية الإيرانية القادمة بعودة المتشددين إلى السلطة، لقد فقد الإصلاحيون معظم رأسمالهم الاجتماعي ومكانتهم. لكن عام 2021 لن يمثل نهاية السياسة في إيران، على العكس من ذلك، سيضيف فقط فصلا جديدا إلى كتاب مفتوح النهاية، الصراع بين النخب السياسية الإيرانية موجود منذ تأسيس الجمهورية الإيرانية، وسيستمر في إنتاج فرص للتغيير، ربما يأتي بطريقة لا تروق للمعارضة ولا للنخب الحاكمة، قد يتوق الحرس الثوري الإيراني إلى السيطرة، لكنه قد لا يكون سعيدا بالنتيجة.
ويؤكد أن عصابة الملالي تشهد انقساما بين معسكرين سياسيين رئيسيين، حيث تدير المؤسسات المنتخبة التي يسيطر عليها المحافظون شؤون الدولة في ظل قوة منصب المرشد الأعلى الذي تخضع له المنظمات الأمنية، بما في ذلك الحرس الثوري الإيراني، ويكافح الإصلاحيون لأكثر من عقدين داخل المؤسسة السياسية لتعزيز قوة المؤسسات المنتخبة ضد سلطة الدولة الموازية، ومع فشل المشروع يرفع الإصلاحيون الراية البيضاء ويستعدون للهزيمة على أيدي قادة الدولة الموازية الذين سيستولون عليها لتعزيز سلطتهم.
من الرأس للقدم
يشير تقرير فورين بوليسي إلى المقولة الشهيرة المنتشرة في إيران والتي تقول «السلطة تنتزع من الرأس ليتولاها القدم»، أي إن القرارات تصدر من أصحاب العمامات وينفذها من يرتدون البيادات العسكرية.
ويقدم البرلمان الإيراني أحدث دليل على ذلك، فرئيسه محمد باقر قاليباف، عميد سابق في الحرس الثوري، وثلثا أعضاء الهيئة المشرفة على البرلمان إما أعضاء سابقون أو لا يزالون منتمين إلى الحرس الثوري الإيراني ومنظماته، ولطالما توقع كثيرون في إيران والولايات المتحدة استيلاء الحرس الثوري على الحكومة الإيرانية، وستكون الخطوة التالية انتخاب مرشحه رئيسا في 2021.
إحباط الإيرانيين
ويزداد الإحباط في إيران من التوترات الحزبية والأزمات المتفاقمة، وانهيار اقتصاد البلاد، وأدى كبرياء الإيرانيين المجروح واستياؤهم من عدم الوصول إلى المكانة الدولية اللائقة إلى ظهور شكل جديد من القومية.
ويبدو أن الرئيس حسن روحاني، غير قادر على الوفاء بوعوده الداخلية أو الخارجية، حيث أقر بالهزيمة، كما تشير إدارته الأخيرة للوباء، حيث كان مترددا في الاعتراف بأن فيروس كورونا الجديد يمثل تهديدا وطنيا حتى فوات الأوان، وأدت رسائله المتناقضة حول هذا الموضوع إلى إرباك الجمهور، بل وتعرض لانتقادات من المرشد الأعلى، في المقابل يمتلك الحرس الثوري الإيراني يدا تزداد قوة، لكن طبيعة مزاياه بحد ذاتها قد تمنعه من أن يصبح حارسا للدولة.
نخبة فاسدة
أصبح الحرس الثوري الإيراني محور الاهتمام الوطني والدولي ابتداء من أواخر التسعينات، بعدما تولى الإصلاحيون السياسيون مقاليد الحكومة الإيرانية المنتخبة، وبدأت إحدى وسائل الإعلام الإصلاحية ذائعة الصيت في انتقاد الحرس الثوري الإيراني، وردا على ذلك بدأ في رسم صورة مبالغ فيها عن نفسه.
يقدم الحرس الثوري نفسه كعلاج للاضطراب القومي الإيراني، وهو في الواقع جزء كبير من المشكلة؛ ففي ظل العقوبات الأمريكية، قام الحرس بتوسيع اقتصاد سري مكتمل بنخبة فاسدة جديدة من رواد الأعمال المهربين.
ويمنع الحرس الثوري الإيراني الحكومة من تجنيد الخبراء الذين يعتبرهم غير لائقين سياسيا، كما أنه يخرج السياسات والمشاريع الحكومية عن مسارها كما يشاء، وطوال الوقت، تصدر دعاية تصر على أن السياسيين والبيروقراطيين هم المسؤولون.
تشويه الخصوم
اعتاد الحرس الثوري الإيراني أن يسعى إلى تشويه سمعة خصومه، مثل أعضاء إدارة روحاني، الذين وصفهم بانتظام بأنهم «متواطئون» و»غير أكفاء» و»موالين للغرب»، والآن يلقي باللوم على جميع الفصائل السياسية.
وعلى مدى العقد الماضي، استثمر الحرس الثوري الإيراني في إنتاج تاريخ تنقيحي من خلال الأفلام الوثائقية والأفلام الروائية والمسلسلات التلفزيونية المصممة لجذب الشباب الذين لم يعاصروا ثورة 1979 وما بعدها.
وتقدم هذه الوسائل الإعلامية رواية مفادها أن الحرس الثوري حمى الشعب وحارب من أجل الوطن، بينما كانت النخب السياسية تتقاتل فيما بينها، وعملت في كثير من الأحيان ضد مصالح الأمة لتحقيق مكاسب شخصية أو حزبية.
عملاء التخريب
يعتقد الحرس الثوري أنه القوة التي هزمت تنظيم داعش ومنعت الأجانب وعملاءهم التخريبيين من اختراق البلاد، ويفتخر أيضا بخبرته التكنولوجية، في حين فشلت حكومة روحاني 4 مرات في إطلاق قمر صناعي، بينما نجح الحرس الثوري في إطلاق قمر صناعي عسكري من أول محاولة.
وحتى في الأعمال الخيرية، يروج لدوره باعتباره منقذا للبلاد، وخلال جائحة كورونا وزع المساعدات والطرود الغذائية على 3.5 ملايين أسرة إيرانية محرومة، وتشكك منظمات المجتمع المدني المستقلة في عمق وتأثير هذه التدخلات، لكن لا أحد لديه عملية إعلامية فعالة مثل الحرس الثوري الإيراني.
ولا يشفع إضفاء الطابع الإنساني للحرس الثوري على أنه مصدر عنيف للقمع، حيث لا يزال المواطنون الليبراليون المنتمون إلى الطبقة الوسطى في طهران يتذكرون استعراض القوة خلال احتجاجات الحركة الخضراء عام 2009، وكان لحملة الحرس على مظاهرات العام الماضي عواقب وخيمة على الإيرانيين الفقراء، ويبدو أنه يرغب في بث الخوف وكسب الحب في الوقت نفسه.
أكبر المقاولين
بالغ الحرس الثوري في دوره الاقتصادي بإيران، ووثقت دراسة حديثة أنه حتى عام 2014، لم يكن لدى الحرس الثوري وغيره من المنظمات شبه الحكومية السطوة في أي من القطاعات الاقتصادية الـ 22 العليا في إيران، لكن لا توجد علاقة مباشرة بين الملكية والسيطرة في النظام الاقتصادي الإيراني.
وتقوم الشركات المملوكة للبرجوازية الإيرانية أحيانا بتجنيد أعضاء مجالس إدارات ومديرين تابعين للحرس الثوري الإيراني من أجل تسهيل مناورات الأعمال، وينشئ الحرس أحيانا شركات للعمل تحت ستار القطاع الخاص، وبهذه الوسائل وغيرها، أصبح الحرس صاحب عمل لا غنى عنه وأحد أكبر المقاولين العامين في البلاد في مشاريع البناء.
سيطرة على المشاريع
ويفتقر الحرس الثوري إلى الموارد البشرية والخبرة اللازمة لإدارة أعمال بملايين الدولارات في مجالات الاتصالات والبنوك وبناء السفن والصناعات البتروكيماوية، ويعمل قسم كبير من البرجوازية العلمانية الإيرانية إما بشكل مباشر أو كمقاولين من الباطن للتنظيم العسكري.
وقبل عقد واحد فقط، اعتبرت النخب الثقافية العمل في المشاريع التي كفلها الحرس الثوري أو مولها من المحرمات، الآن لم يعد هذا هو الحال، على سبيل المثال، عمل مسعود كيمياي، المخرج الشهير الذي حافظت أفلامه قبل الثورة على مكانة كبيرة، أخيرا مع منتج تابع للحرس الثوري الإيراني، وقام المخرج محمد حسين ماهدافيان وهو من أشد المؤيدين لروحاني بإنتاج أفلام وثائقية حائزة على جوائز وأفلام روائية مدعومة من الحرس الثوري الإيراني.
شبكات المحسوبية
يتمتع الحرس الثوري الإيراني بعدد من المزايا في التنافس على السلطة في إيران، لكنه لا يكاد يكون كتلة صلبة لا يمكن إيقافها.
وعلى الرغم من الحصة الاقتصادية الكبيرة التي يمتلكها الآن، لا يزال الفرع التنفيذي لإيران يحكم الاقتصاد في جميع المجالات الحيوية، وتضع الحكومة السياسة المالية والنقدية، وتتحكم في موارد النفط والغاز، وتدير خزينة الدولة، وتهيمن الحكومة أيضا على الرعاية الاجتماعية والمساعدات الإنسانية، التي يعتمد عليها الحرس الثوري بشكل متزايد لبناء شبكات المحسوبية الخاصة به.
علاوة على ذلك، فإن الحرس أكثر انقساما وأقل انضباطا من الداخل، وشهد الكثير من التوترات، حيث نشبت نزاعات بين القادة رفيعي المستوى خلال الحرب الإيرانية العراقية، وأصبح الضباط المحبطون الذين تركوا الحرس خلال الثمانينات دعاة بارزين للإصلاح السياسي، وترك البعض الفيلق خلال شقاق واحد في أوائل التسعينات، وغادر آخرون في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.
انقسام داخلي
وثق خبراء الحرس في الفترة الحالية الفجوة بين الأجيال، لكن شبابه منقسمون على أنفسهم، وتعكس وسائل الإعلام العديدة للحرس هذه الاختلافات، وعلى سبيل المثال، توقفت أخيرا منظمة الأوج للفنون والإعلام التابعة له عن تصوير الخصوم في أفلامها على أنهم أعداء قبيحون ومضحكون للنظام، وبدلا من ذلك، تكون الشخصيات معقدة، بل يمكن ربطها ببعضها بعضا.
في الوقت نفسه، أنتج فرع إعلامي آخر تابع للحرس الثوري الإيراني برنامجا تلفزيونيا يسمى غاندو، برر اعتقال مراسل واشنطن بوست جيسون رضائيان، وأخبر القصة بعبارات بيضاء وسوداء.
ووصلت التوترات بين هاتين المجموعتين الإعلاميتين الشابتين في الحرس الثوري أحيانا إلى الجمهور، وانتقدت المجموعة الثانية في فبراير طريقة أوج في صناعة الأفلام بشدة، متهمة إياها بـ»إهدار أموال النظام وموارده لإيذاء النظام».
قبضة وحشية
لم تجلب يد المساعدة ولا القبضة الوحشية بالكامل للحرس الثوري الإيراني الاحترام الذي يريده، ربما أدى اغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني في يناير الماضي إلى تضامن لفترة قصيرة، حيث حجب الإيرانيون الغاضبون صورهم الشخصية على وسائل التواصل الاجتماعي احتجاجا وحدادا، لكن بعد أيام، أسقط الحرس طائرة ركاب أوكرانية، واحتفظ الأشخاص أنفسهم بصور ملفاتهم الشخصية سوداء للتعبير عن غضب مختلف.
هدد كيمياي بسحب فيلمه من المهرجان الأول في البلاد، وفرض التلفزيون الوطني رقابة على خطاب مهدويان في حفل ختام المهرجان لأنه تعاطف علنا مع آباء المتظاهرين الذين قتلوا خلال اضطرابات عام 2019.
تهديد وقمع
يواصل الحرس الثوري الإيراني تهديد المعارضين وقمع المعارضة، لكن الخوف لا يستمر دائما، ففي أبريل ادعى القائد العام للحرس الثوري أن المجموعة اخترعت جهازا يمكنه اكتشاف فيروس كورونا الجديد من مسافة 328 قدما، مما سبب موجة من السخرية اجتاحت منصات وسائل الإعلام، ووصفت جمعية الفيزياء الإيرانية، هذا الادعاء بأنه «قصة خيال علمي».
قد تكون القوة السياسية الأكبر للحرس الثوري هي ضعف خصومه. فاز روحاني بالانتخابات عامي 2013 و2017 على وعد بإعادة الأمل للشعب الإيراني، ومع اقتراب نهاية ولايته يسيطر اليأس على الإيرانيين بعد أن أصيبت البلاد بشلل تام.
اندلعت الاحتجاجات على مستوى البلاد عامي 2018 و2019، وسحقها الحرس الثوري، وساعدت حكومة روحاني بنشاط قوات الأمن أو نظرت إليها بشكل سلبي، وتفتقر الإدارة الآن إلى المصداقية لتعبئة قاعدتها الاجتماعية ضد الحرس الثوري في صناديق الاقتراع أو في الشوارع.
شوكة في الجنب
ويطرح التقرير سؤالا مهما: هل يرغب الحرس الثوري حقا في إدارة الحكومة؟ مؤكدا أن الأمر يبدو معقدا، فالموارد السياسية والاقتصادية التي تحتفظ بها الحكومة مغرية بالتأكيد، لكن التجربة أظهرت أن من يتولى السلطة التنفيذية، بغض النظر عن الانتماء السياسي، من المرجح أن يصبح شوكة في جانب الحرس الثوري، حتى الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد الذي جاء بدعم كامل من المنظمة، سرعان ما بات من الأعداء.
أثبت التاريخ مرارا وتكرارا أن أولئك الذين يتولون أدوارا تنفيذية وإدارية يستثمرون في تعزيز التطبيع، حتى على حساب الحماس الثوري، ومع ذلك، فإن الأخير هو مخزون الحرس الثوري الإيراني في التجارة.
انتقام قاس
يمكن للحرس الثوري الإيراني أن يتمتع بأفضل ما في العالم، ويحافظ على بعده عن الأعمال اليومية للحكم ويتدخل فقط عندما يرغب في ذلك، وإذا أدار بدلا من ذلك الشؤون اليومية للبلد، فسيضطر إلى إجراء تعديلات وتنازلات مستمرة قد تضر بسمعته الثورية.
على سبيل المثال بعد مقتل سليماني، دعا بعض مقاتلي الحرس الثوري الإيراني إلى «انتقام قاس»، لكن التنفيس الموعود لم يأت أبدا، لم يتحمل قادة الحرس الثوري الإيراني العبء الأكبر من غضب المقاتلين لأنهم بدلا من ذلك يمكنهم إعادة توجيهه نحو «السياسيين الجبناء».
وجد قادة الحرس الثوري الذين يقفون خارج الحكومة عددا من المناسبات لالتقاط الصور، فهم يتعاطفون مع العمال المضربين عن أجورهم غير المدفوعة، ويشاركون في جهود الإنقاذ والإغاثة بعد الفيضانات والزلازل، ويقفون مع المتقاعدين الذين يلقون باللوم على الحكومة لفقدانهم مدخراتهم، رغم أنه في الحقيقة المؤسسات المالية المرتبطة بالحرس الثوري هي التي سرقت أموالهم. تولي السلطة التنفيذية يعني مقايضة المجاملة العرضية بالمسؤولية الدائمة.
عودة المتشددين
من المتوقع على نطاق واسع أن تنذر الانتخابات الرئاسية الإيرانية القادمة بعودة المتشددين إلى السلطة، لقد فقد الإصلاحيون معظم رأسمالهم الاجتماعي ومكانتهم. لكن عام 2021 لن يمثل نهاية السياسة في إيران، على العكس من ذلك، سيضيف فقط فصلا جديدا إلى كتاب مفتوح النهاية، الصراع بين النخب السياسية الإيرانية موجود منذ تأسيس الجمهورية الإيرانية، وسيستمر في إنتاج فرص للتغيير، ربما يأتي بطريقة لا تروق للمعارضة ولا للنخب الحاكمة، قد يتوق الحرس الثوري الإيراني إلى السيطرة، لكنه قد لا يكون سعيدا بالنتيجة.