الرأي

العيد

عمرو أحمد الحكمي
في هذا اليوم يضع المحاربون أسلحتهم، ويغرس المناضلون سيوفهم في الأرض، ويتصالحون بنظراتهم، ويعلنون هدنة توقف الحرب احتراما وتقديسا لهذا اليوم العظيم. اليوم الذي تصفو به النفس، ويزدان به القلب، ويتطهّر من أدران النفس، ويبرأ من الضغائن والأحقاد وحظوظ النفس، يتطيب القلب بعطر النقاء، وتتنفس الرئة عبير الزهور والجمال، تعلو هتافات الفرح والحبور، وترتسم الابتسامة على الثغور، الكل مزهو بلباسه الجديد وحلته البهية المهيبة، صبية وشبانا وكهولا وشيوخا، يتهيؤون أياما ويتجهزون أسابيع كي يخرجوا لنا بكامل الزينة وأبهى حلّة وأجمل طلّة، حتى الفقراء المعدمون يبتسمون، واليتامى والثكالى يبتهجون في هذا اليوم. وفي خضم هذه السعادة والألفة والبسمة، لن تجد أصدق من ابتسامة الفقراء والمعدمين في هذه الليلة، فهي عذبه نقية تخرج من صميم الفؤاد ولب المشاعر، وعندما نراهم يتبسمون؛ تتجلّى لنا فرحتهم مضاعفة. إنه يوم العيد الذي ينتظره الصائمون بفارغ الصبر، وينتشي به القائمون والمجتهدون والمعتكفون وينالون أعلى جزاء، يستشعرون ترحيبه، لأنهم يعلمون أنّه يوفيهم تعبهم ونصبهم بأجمل ثواب. في هذا اليوم العالمي تمتلئ المجالس بالأقارب والأحباب والأعداء على سواء، يغضون الطرف عن كل الضغائن والأحقاد، وتتآلف القلوب وتتجاسر العلاقات وتزداد المودة وأحيانا تصفو النفوس الحالكة وتعود بيضاء نقيّة، لأنّه يوم واحد - وعند الكثير يمتدّ إلى ثلاثة - فتتنازل فيه العقول الصلّدة والقلوب المتحجرة. ولأذكركم بأني في مثل هذا اليوم من السنة الماضية كتبت مقالا يناقض كلمات وعبارات هذا المقال، كان تشاؤميا بعنوان «عند سن العاشرة تنتهي فرحة العيد» أعجب به الكثير وانتقده الكثير، لكنّ هذا العام قررت أن أغيّر من الأسلوب اللاذع فأخفف عنكم وطأة الحياة القاسية، ولوعة الدول المنكوبة، ومعاناة الأسر المتشرذمة، وحياة اللاجئ المعذبة.. فأذكركم بحقيقة معنى هذا اليوم الجميل، وأنبهكم جميعا بأن تنسوا الذاكرة في هذا اليوم، وتعيشوا يوما كأنه حلم، وبعد انتهاء هذه المناسبة عودوا لحياتكم لكن بطريقة مختلفة سامية عليّة، متناسين ماضيكم المثقل بالهموم والأكدار، لتعيشوا حياة جديدة وتبدؤوا صفحة بيضاء نقية تملؤونها بالمحبة والمودة والإخاء.