الرأي

حتى لا تقتل فرحة العيد

مكيون

فاتن محمد حسين
وانقضى شهر رمضان المبارك، شهر الرحمة، والغفران، ومتنزل النفحات الربانية، حيث أمضاه المسلمون (الموفقون)؛ صوامين نهارا قوامين ليلا يبتهلون للخالق العظيم، يرفعون أكف الضراعة بالتوسل إليه وطلب المغفرة والعفو، وكم تلجلجت الدعوات في الحناجر، وترقرقت الدموع في المحاجر وتسامت النفوس إلى خالقها ترجو رحمته وتخشى عذابه، فحق لتلك النفوس الطيبة أن تدخل الجنة زمرا إن شاء الله تعالى، وحق لها الفوز والفلاح يوم توزيع الجوائز في يوم العيد. نعم إنها فرحة المسلم الكبرى بإتمامه شهر الصوم والانتصار على ذاته وملذاته، وطاعته لخالقه باتباعه منهج عباداته التي تقوم عليها أركان الإسلام.. ومنها (الصوم)، الذي قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قال الله عز وجل: كل عمل ابن آدم له إلا الصيام؛ فإنه لي وأنا أجزي به». ثم يأتي يوم العيد شكرا لله على ما من به علينا من إتمام الطاعات. وإظهار الفرحة بالعيد واجب على المسلم كما قال تعالى: (قل بفضل الله وبرحمته فبذٰلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون) «يونس الآية 85»، وخاصة عند الذهاب إلى صلاة العيد التي هي فرض عين ومستحبة وخاصة للنساء، فيجتمع المسلمون بملابسهم الجديدة فرحين مستبشرين يتبادلون التهاني والتبريكات. كما أن الاجتماع مع الأهل والأقرباء والأصدقاء أمر محبب لإعادة العلاقات الاجتماعية التي يصل الإنسان فيها رحمه وأقاربه وجيرانه وترميم تلك العلاقات التي بهت بريقها بسبب طغيان الماديات على حياة الإنسان. بل إنها فرصة لتجديد الحياة الاجتماعية التي شابها الروتين والملل والرتابة، بالخروج للزيارات الودية والاجتماعات الأسرية والنزهات. ولكن مما يعكر صفو العيد أحيانا وجود مظاهر بها الكثير من المبالغات.. فمع أن الفرح والسرور بالعيد واجب ولكن المبالغة في إظهار الفرح من بطر النعمة والإسراف في المأكولات والمشروبات وأنواع وأصناف الحلويات وتغيير الأثاث وتحميل رب الأسرة نفقات باهظة من باب حب الظهور.. هي مظاهر لا يقرها الإسلام، فقارون كان يملك من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة.. ولم يقره الله تعالى على تكبره فقال: (إن الله لا يحب الفرحين)، لأنه فرح يوقع في البطر والرياء.. لذا فلا بد للمسلم أن يكون متزنا حتى في فرحه. ومن أنواع الفرح المفرط عند الشباب وهي في الحقيقة خطر على حياتهم هو شراء المفرقعات النارية (الطراطيع والبراشوتات) وغيرها من المسميات، والتي يشتريها أحيانا الآباء لأبنائهم لإدخال الفرحة على قلوبهم ولكن هذه الألعاب فضلا عن أنها تعتبر من التبذير المالي والبطر لأن استهلاك هذه المفرقعات قد يكلف الآلاف من الريالات، مما يكون له تأثير سلبي ليس على اقتصاد الأسرة فقط بل على الاقتصاد الوطني، فإن لها مخاطر صحية جسيمة من الشرر والضوء والحرارة، مما قد يسبب حروقا خطيرة.. وكم من أسرة أمضت أيام العيد بالمستشفيات نتيجة استخدام الأبناء لهذه المفرقعات وأصابتهم بإصابات بالغة..!! كما أن البعض منها قد يسبب تلوثا إشعاعيا كيمائيا وفيزيائيا. بل قد تصيب آخرين بالصمم أو ربما الصوت العالي يؤثر على مخ وأعصاب الأطفال فتحدث تلفا دماغيا لهم. والأدهى من ذلك أنه انتشرت مؤخرا ألعاب خطيرة جدا هي أشبه بالمتفجرات.. فمجتمعنا مستهدف من قوى متنوعة لا تألو جهدا في تمرير مخططاتهم التي تضر بمصلحة الوطن والمواطن.. حيث لم يكتفوا بالمخدرات والمسكرات وتمريرها بل الآن تتسرب المتفجرات على أنها ألعاب نارية.. وهنا نهيب بأولياء الأمور ضرورة الحرص على أبنائهم فليس الفرح بشراء تلك الألعاب النارية لهم، بل ضرورة توعيتهم بمخاطرها وأضرارها.. وكذلك على الجهات الأمنية كالشرطة والدفاع المدني وغيرها ملاحقة الأشخاص والمحلات التجارية التي تروج لهذه الألعاب وتبيعها ومصادرة الكميات الموجودة في المخازن، وإتلافها بطريقة آمنة بل معاقبة هؤلاء بالسجن أو الغرامة. نعم للعيد فرحة نحييها بالألفة والمحبة واللهو المباح، ولا نقتلها بمظاهر تفسد علينا الفرحة فتكون شرا ووبالا.. وكل عام وأنتم بخير.