الرأي

فرسان الفضاء

عبدالله الجنيد
(كل عام وأنتم بألف خير وينعاد عليكم).. عربان الفضائيات يجيدون الحلطمة بكل اللغات مدعين أنهم أكثر المسلمين إسلاما وأتباعهم الفرقة الناجية، وأن العالم الكافر يتآمر على الإسلام. إن كنا نحن من يمارس جلد الذات عبر قنواتنا الفضائية فما هي رسالتنا للعالم! وأبلغ صور المجالدات الفضائية تتجلى في ساحات الوغى تلك كلما سن تحديث أو تمدين لمؤسسة من مؤسسات الدولة فينتفض المجالدون من المحيط إلى الخليج «كلا». وكلهم يتصايح «إنها شعيرة من صلب شعائر العقيدة والمساس بها تجاوز عليها». لكن بعض القرائح تتفتق بالإتيان بمجالدي فقه ينوبون عن الدولة في منازلة هؤلاء. كذلك هو حال اصطدام تشريع بجدار طائفي تخلى عن كل عقلانية كما حدث في البحرين مؤخرا حول قانون مدني اعترضت عليه مدرسة فقهية تحولت إلى طائفة سياسية تخاصم الدولة لا من باب المواطنة بل الطائفة، حيث قضى القانون بفصل المنبر الديني عن السياسي، فادعى شيخها أن القانون يدعو لإلغاء الطائفة وأصدر بيانا يدعو للإضراب عن أداء صلاة الجمعة الجامعة. والسؤال: أيهما فرض واجب، الصلاة أو طاعة ذلك الشيخ الفضائي. للأسف ذلك المشهد انتهى بعمل إرهابي راح ضحيته امرأة وجرح أولادها. كذلك هو الحال عندما يتقدم شيخ دين «فضائي» بمناظرة فضائيين في شأن فقهي (المقصود بالفضائي أو الفضائيين هم شيوخ دين القنوات الفضائية). فيرفع المريدون هنا وهناك المصاحف على أسنة الرماح وكأن كل ما ينقصنا الآن هو حسم هذا الجدل الفقهي لنلتحق بصف العالم الأول في العلوم الإنسانية والنماء. فالمسائل المعيقة للتنمية هي مسؤولية المشرع والفقيه القانوني دون سواهما وإن استمرار استخفافنا بذلك يعمق نظرة العالم الدونية لنا إنسانيا. نعم نحن بحاجة للتجديد في الاجتهاد الفقهي لحيوية ذلك معتقدا ودولة، لكن اعتماد سياسة «شيخ من عندنا بشيخ من عندكم» تخرجنا من حيز الفضاء البشري لتعيدنا لسقيفة بني ساعدة. في مجمل الأمر يؤكد كل ما سبق عدم أهلية الإدراك لدينا بما يحيطنا من تحديات حقيقية تطال هويتنا وحتى بقاءنا سياسيا. اعتراضي ليس دعوة لإلغاء الرأي الآخر بل الاحتجاج على اختزال خاصية التعقل في الفقهاء أو من يمتلك أدوات المجالدة الفقهية وإقصاء المجتمع من ميدان الحراك الفكري. ففي ذلك انتقاص لإرادة المجتمع العاقل والجانب المغيب بافتراض تجاوزنا هذا المنعطف بفضل هؤلاء الفرسان، فهل سننتج نسخا أخرى مستقبلا لتتناسب والظرف الزمني. والسؤال الآخر، ما ضمان ترجل هؤلاء الفرسان عن عروشهم الفضائية وقد صار لهم مريدون وأتباع، وتذوقوا السلطة والشهرة، هو نفس المذاق الذي ولد أحلام من سبقهم في السلطة بعد حيازتهم التسلط. الارتقاء بالدولة والمجتمع هو واجب الجميع عبر مؤسسات وطنية تضطلع بذلك، أولها رأس الدولة وثانيها المؤسسة التشريعية ومؤسسات مجتمع مدني تتعاضد لتكون مرآة طموح المواطن. وإن التشريعات يجب أن تتحول إلى ثقافة سلوكية من الالتزام بالطابور إلى تحمل المسؤولية الفردية في محاربة حواضن فكر الإرهاب. ولقياس تلك الحاجة الملحة لتلك المنظومة، لننظر لحالة الفزع كلما تجشأت إحدى المنظمات الحقوقية في حق إحدى دولنا ببيان يفتقر جله للموضوعية. فنحن قادرون على بناء مؤسسات مدنية مستقلة تمثل هويتنا المستقبلية، وبناء هذه المؤسسات قائم في مجتمعاتنا وإن كل ما ينقصها تشريع يضعها على قدميها ممثلا لنا لا علينا كفرسان النزال الفضائي القابلين للانقلاب علينا. aljunaid.a@makkahnp.com