الرأي

زواجات كورونا مثالية نرجو استمرارها!

أحمد الهلالي
جائحة كورونا أرهقت العالم، وتسببت في العديد من المآسي والآلام لبعض الناس، والكدر والرعب اللذين لامسا أرواح الجميع دون استثناء، ولكن ربما لهذه الجائحة إيجابيات أيضا، حتى وإن لم تكن بمستوى مآسيها إلا أنها تأتي في خانة الإيجاب، فقد جلسنا مع أسرنا وأزلنا الحجارة التي كانت تسد مجاري التواصل بين أفراد الأسرة الواحدة، وتوفرت لبعضنا أيضا أموال كنا ننفقها خلال حركتنا الدائبة، وغير ذلك من الإيجابيات.

تلك على المستوى الفردي، أما على المستوى الاجتماعي فقد كتبت قبل مدة عن موضوع المناسبات الاجتماعية، خاصة (حفلات الزواج) وما يتكبده الناس من أعباء التكاليف المالية، ومعاناتهم في الانتقال من مدينة إلى أخرى، لكن كورونا جعلت هذا الصيف هادئا، لم نعد نخطئ في حساب بطاقات الدعوات التي وصلتنا، ولا في تواريخ المناسبات المتلاحقة، وليت هذا الحال يكون في كل صيف من غير كورونا ولا أوبئة ولا شرور، فما أروع أن يخبرك قريبك أو صديقك أنه زوج ابنته أو ابنه في مناسبة عائلية، وودعهما بعد الغداء!

مناسباتنا الاجتماعية ليست ممتعة غالبا، بل أشبه بمهرجانات (زحمة يا دنيا زحمة)، يوزع مقيموها مئات البطاقات من خلال الواتس اب ويجتمع خلق كثير، وبالكاد تستطيع تذكر الوجوه التي صافحتها، فالوقت بمجمله بالكاد يكفي لمتابعة القادمين والسلام عليهم، ثم تنتبذ كل مجموعة ركنا قصيا يتهامسون فيه بمفردهم، وفي هذا الجو الممل ترى الغالبية يتمنون عبارتين فقط (النظر تحية) و(حياكم الله على عشاكم) فيتعشون، ويتحررون من أغلال تلك المناسبة إلى شؤونهم، أو يعودون إلى المناطق البعيدة التي حضروا منها، وربما خسروا يومهم الثاني بسبب السهر وما كابدوه من مشقات الطريق.

أما المساكين حقا، فهم أولئك الذين يحضرون بعوائلهم من مدن أخرى، ويظلون ينتظرون في القاعات أو بجوارها حتى تفرغ النساء من استعراض ما أنفقن عليه آلاف الريالات، رغم أنهن غدا سيصبحن جميعا مائدة التندر لبعضهن بعضا (شفت فلانة)! ولا تسل عن (عين أمها) العروس المسكينة، فهي محبوسة في غرفة تنتظر انقضاء بروتوكولات الزيف، حتى بعد منتصف الليل، في انتظار اقتيادها فيما تسمى بالزفة إلى (سبع البرمبة)، تجلجل الطيران والدفوف ملء روحها، والعريس ما يزال ينتظر اتصال أهلها للزفة، فهو مشغول بلفلفة بشته بين ذويه العاكفين على حساب تكاليف القاعة والعشاء وما (جابوه) الجماعة والأصدقاء.

إنها حالة بائسة، ويسمونها ليلة العمر لأنها كذلك، ليلة (ثقيلة) متعبة للحضور وللعريسين والأهل وللجميع دون استثناء، فماذا يجبرنا على تكبد كل هذا العناء، والله قد يسر على الناس حتى في أمور دينهم؟ لماذا لا يظل الحال في غير زمن كورونا كما هو عليه الآن في وجودها البغيض، وألا يزيد عدد حاضري مناسبات الزواج على خمسين شخصا على أقصى تقدير في مناسبة صغيرة لذيذة، يتلذذون ويستمتعون بالمساء، بعيدا عن الصخب والتعب والعناء، ثم يأخذ العريس فتاته بعد العاشرة مباشرة مصحوبا بدعوات والديهما والأقربين، وجيبه عامر بالرزق، وظهره عاف من الدين، لا يشعر (بالزهق)، ولا يشكو من التسهير والرهق!

ahmad_helali@