الرأي

من قال بأن الماضي لا يعود!

سنابل موقوتة

عبدالله المزهر
في زمن مضى وقبل اختراع حقوق النقل التلفزيوني بشكلها الرأسمالي الجَشِع الحالي، كان التلفزيون السعودي يقدم كل يوم جمعة ملخصا للدوري الإنجليزي ثم يختم البرنامج بمباراة الأسبوع، كان أمتع ما يمكن أن يشاهد في التلفزيون لمحبي كرة القدم، وكان الراحل أكرم صالح رحمه الله يتحدث عن فرق الدوري الإنجليزي بطريقة ممتعة، وبكثير من المعرفة بخبايا وأسرار تلك البطولة وفرقها.

كانت كرة القدم هي المتنفس الوحيد لأبناء جيلي، يلعبونها ويشاهدونها ويتحدثون عنها، يتعصبون لفرقهم ولكنهم في الغالب كانوا يحبون كرة القدم ويتعصبون للعبة أكثر من تعصبهم للفريق الذي يحبونه.

في ذلك البرنامج الأسبوعي كان نصيب ليفربول وافرا من المباريات التي تعرض، مباراة الأسبوع لا بد أن يكون أحد طرفيها هو ذلك الفريق الذي يلعب كرة القدم بطريقة تختلف عن أسلوب الإنجليز وقتها، كانوا يلعبون بطريقة محرضة على الحب، وحتى حين بدأت مباريات الدوري الإيطالي الأسطوري تنال نصيبها من النقل احتفظ ليفربول بمكانه في قائمة الفرق الممتعة وحين نتجادل بعد أن نلعب كرة القدم في أحد «الشعاب» عن الدوري الأفضل هل هو الدوري الإنجليزي الذي يلعب فيه ليفربول أم الدوري الإيطالي جنة كرة القدم الذي كان يعج بالأساطير الذي يلعبون لكل الفرق، كنا ننتهي إلى أن الدوري الإيطالي هو الأجمل والأكثر متعة لأن كل الفرق فيه تلعب وكأنها ليفربول، كان الدوري الإيطالي ممتعا لأن الوضع لم يكن يشبه الوضع الحالي الذي تستأثر فيه أندية بعينها بكل موهبة جديدة.

يكفي أن ماردونا لعب حينها لفريق لا يكاد أحد منا يعرف اسمه قبل أن يصل إليه، في مثل هذه الأيام فإن لاعبا بإمكانات ماردونا نعرف سلفا أين سيستقر به المقام بعد أن أصبحت كرة القدم مجرد أداة لجمع الأموال، وأصبح المشجعون مجرد زبائن في عالم رأسمالي جشع يتدثر باللعبة التي اخترعها وأبدع فيها الفقراء.

في تلك الفترة أيضا جاء الاتفاق من المجهول ليصنع تاريخا جديدا في عالم كرة القدم المحلية، أخذ بيد كرة القدم من انتصاراتها المحلية وعلمها أنه يمكن أن تفعل ذلك خارج الحدود، فعل ذلك كناد ثم قدم مدربه للمنتخب ليأخذه بيده ويدله على طريق التتويج الذي كان لمحبي كرة القدم في السعودية قبل حضور الاتفاق شيئا مجرد تخيله يثير السخرية.

قبل أن يأتي الاتفاق كان الحلم هو التأهل لنهائيات كأس آسيا لمشاهدة لاعبينا المحليين يلعبون ضد بني الأصفر في القارة الصفراء، فسكب الزياني الماء على وجه الحالمين وأيقظهم وهم في المنصة يرفعون كأس آسيا.

في تلك الفترة أشبعت كل نهمي وحبي لكرة القدم، شعرت أني لا أحتاج لشيء آخر يشبع تلك الرغبة في مشاهدة كرة القدم الممتعة، الباعثة على الفرحة والفرجة والتصفيق والدهشة. ولذلك حين ألقي بالاتفاق في غيابة جب الاحتراف، وابتعد ليفربول عن بطولة الدوري، وأصبحت قائمة الفريقين في سنوات مضت تضم أشخاصا لا يعلم إلا الله ما هي علاقتهم بكرة القدم، حين حدث هذا كنت أقنع نفسي وأقول: ماذا تريد أكثر مما حصلت عليه؟ كنت وفيا لهذين الفريقين ليس لأني معجب بما يقدمانه في الحاضر، ولكن لأن هذه هي أفضل طريقة أعبر بها عن امتناني الكبير لما أعطياني في الماضي.

ثم أما الآن..

فقد عاد ليفربول لينبش الذاكرة ويقول إن كانت السنوات العجاف قد أنستك لماذا أحببتني في الماضي فهذه هي الأسباب، كنت شيئا يشبه ما أنا عليه اليوم، فرحت بفوزه كمن يعثر على صورة قديمة تجمعه بأصدقاء الطفولة الذين لم يعد يتذكر ملامحهم، ولا زلت أنتظر أن يساعدني الاتفاق في العثور على صورة أخرى.. والسلام.

agrni@