الرأي

كوارث التسرب النفطي

آلاء لبني
الإعلام يصنع الاهتمام، فمثلا أفلح الفيلم الأمريكي لكارثة منصة النفط ديب ووتر هوريزون، في تصوير الأوقات الصعبة لانفجار وغرق منصة الحفر على عمق 1500 متر في خليج المكسيك عام 2010 - أنصحكم بمشاهدته، والحقيقة كما أوضحت لجنة حكومية مكلفة بالتحقيق أن إجراءات الحفر بالبئر النفطي تفتقر لمعايير السلامة، وكانت تهدف إلى خفض التكاليف وتوفير الوقت وطالبت بحزم من الإصلاحات في القطاع النفطي.

الكوارث البيئية تسبب أضرارا جسيمة طويلة الأمد على الأنظمة البيئية، فالعلماء قلقون من المواد الكيميائية ككوريسيت التي استخدمت بكميات هائلة لتفتيت بقع الزيت النفطية لتمنعها من الطفو، وأن الأضرار ستظهر خلال 20 عاما المقبلة.

مؤخرا في يونيو تناقلت وسائل الإعلام حادثة تسرب 20 ألف طن ديزل لانهيار خزان وقود في محطة للطاقة وتحول نهر أمبارنايا للون الأحمر قرب مدينة نوريلسك، الذي عده خبراء بيئيون الأسوأ من نوعه في منطقة القطب الشمالي، وثاني أسوأ تسرب في تاريخ روسيا.

اللافت تصريح بوتين المستاء (هل سنعلم بحالات الطوارئ من وسائل التواصل الاجتماعي؟). فقد علمت السلطات الحكومية الروسية عن الكارثة البيئية عبر وسائل التواصل الاجتماعي لتكتم الشركة عن الحادثة لمدة يومين.

إن وسائل التواصل الاجتماعي تصنع أفقا وفضاء شاسعا لتداول المعلومة بسهولة!

وحمل بوتين الشركة المسؤولية بالتعويضات لاستعادة التنوع البيولوجي والبيئي، مشيرا إلى أنه لو استبدلت الشركة الخزان القديم لما كانت لتتكبد هذه النفقات، وقالت نائبة وزير الموارد الوطنية والبيئة إن الأمر سيستغرق 10 سنوات على الأقل حتى يتعافى النظام البيئي المحلي!

تعد نوريلسك المدينة الأكثر تلوثا في روسيا وفق تصريح خبير الصندوق العالمي للحياة البرية أليكسي (إن السكان المحليين توقفوا منذ فترة طويلة عن الصيد في النهر، حيث تتعرض منذ عقود لتلوث ناجم عن إنتاج المعادن).

ماذا عن الكوارث وشيكة الحدوث؟ كخطر تسرب أو انفجار سفينة صافر العائمة في البحر الأحمر قبالة ميناء رأس عيسى بمحافظة الحديدية اليمنية، ثالث أكبر ميناء عائم، بحمولة تفوق مليون برميل من النفط الخام.

سفينة قديمة منذ 1988 ولم تجر أي صيانة لها منذ 2015 منذ انقلاب الحوثيين. ومع كل الدلائل المشيرة إلى وقوع الكارثة البيئية لم تتمكن الأمم المتحدة في شهر مايو الماضي من تمكين فريق أرسلته لصيانتها لرفض الحوثيين ذلك. ما هي عواقب خطر تسرب أو غرق السفينة أو انفجارها على البيئة البحرية؟ رغم المخاطر لم يتم التوصل إلى اتفاق بشأنها.

إلى متى ننتظر تفريغ النفط الخام بصافر؟

نقلا عن تقارير الخبراء المشكلة الرئيسة والخلاف يتوقف على ما يجب عمله بالنفط! وتقسيم القيمة المالية للحمولة أحد أسباب الخلاف، والتي تقدر بـ 80 مليون دولار! مع أن الأضرار وتكلفة العواقب ستفوق القيمة الحالية للنفط بكثير.

وأكدت الأمم المتحدة في آخر تقاريرها نهاية الأسبوع أن المياه البحرية تسربت إلى مقصورة المحرك في الناقلة وألحقت ضررا بالأنابيب وأن الناقلة تعرضت لأضرار غير قابلة للإصلاح، ولم يعد من الممكن صيانتها! بمعنى أن السفينة بحاجة إلى فريق إنقاذ! وليس صيانة. في الأشهر السابقة كانت التقارير تتحدث عن ضرورة معالجة الأمر بتعجيل الصيانة وتفريغ المخزون النفطي قبل حدوث الكارثة البيئية! الوضع يزداد سوءا باستمرار.

يقول خبراء دوليون بأن تسرب صافر سيتضمن أكثر من أربعة أضعاف كمية النفط التي أطلقتها ناقلة النفط إكسون فالديز عام 1989 بألاسكا، وبعد 21 سنة من الكارثة أعدت الحكومة دراسة علمية أوضحت أن النفط ما زال متخفيا بين رمال قاع البحر! فماذا ستفعل مليون برميل ببيئة البحر الأحمر وموارده؟!

الإعلام المتخصص بالبيئة يغيب عن الساحة ودوره ضعيف بمستوى لا يمثل أهمية القضايا البيئية وتأثيراتها مع أن أهميتها لا تقل عن الرياضة! ومخاطرها لا تقل ضررا عن الاقتصاد أو والخلافات السياسية والحروب.

فتغطية خبر كهذا لا تجد حيزا كبيرا من الاهتمام بأضراره على التنوع الحيوي والشعاب المرجانية والصيادين وغيرها من الأخطار، لا بل إحدى الصحف السعودية حتى الخبر صاغته بشكل أضعف من المشكلة كأن الأمر يعني كوكب المريخ وليس البحر الأحمر شريان الحياة للمملكة والدول المحيطة به، القائمون بالشأن الإعلامي لم يحاولوا دخول هذا المجال بشكل احترافي وتخصصي، ويركزون على الاهتمام بتغطية بعض الأخبار وفعاليات توعوية بيئية عن النظافة العامة وسلوكيات سلبية وتشجير المدن! وهذا اختزال وضعف. فدور الإعلام المعرفي في المجالات الفنية وغيرها يفوق بأضعاف دوره في البيئة.

الإعلام البيئي في العالم بكل أدواته ووسائله ساهم في تشكيل الوعي تجاه التنمية المستدامة وقيادة الفكر الجماهيري لقضايا بيئية أيا كان نوعها. فمتى نواكبه؟

AlaLabani_1@