الرأي

من هو المغرد السعودي؟

زيد الفضيل
كانت الجزيرة العربية قبل توحيد المؤسس الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه مقسمة إلى أقاليم منفصلة عن الأخرى، ولم يكن بينها أي رابط اجتماعي أو حياتي ناهيك عن السياسي، ثم شاءت إرادة الله أن يجمع كثيرا من تلك الأقاليم المتفرقة المتباعدة تحت حكم قائد عربي واحد وهو عبدالعزيز آل سعود.

ومن حينه تشكلت شخصية جديدة، وهُوية متجددة لكل من يسكن ثرى هذه الأقاليم الموحدة، التي باتت فخورة بوطنها الحديث المملكة العربية السعودية، وبحكامها الكرام من آل سعود، ابتداء بالمؤسس الملك عبدالعزيز يرحمه الله، ومرورا بمن خلفه من الملوك من أبنائه يرحمهم الله جميعا، وصولا إلى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز يحفظه الله وولي عهده الأمين.

وكان أن تأسست من حينه ملامح شخصية سعودية عربية أصيلة، تنتمي بأصولها إلى عمق التاريخ أرومة وموقعا، تنطلق في هويتها وقيمها من منظومة قيمية أصيلة قوامها الأصالة، والمروءة، والترفع عن السفاسف، والنأي بالنفس عن الوقوع في الأعراض من بهت وغيبة ونميمة، اتباعا لمنهج نبوي، واقتداء بملك البلاد الذي تسامى، وعفا، وأصلح، ووحد، وآثر، واحتوى، فكان ملكا أحبه الناس قريبهم وبعيدهم، كيف لا؟ وهو الذي كان حريصا على تعزيز التآلف مع خصومه قبل أصحابه، ومن ذلك ما يروى أن أحد أعيان مكة المكرمة وكان من علمائها قد أخذ على عاتقه معارضة الملك عبدالعزيز حال توحيده الحجاز، وشن عليه هجوما من خارج البلاد، وبعد سنوات عديدة تملك الشوق قلب ذلك السيد الوجيه ليزور بلدته مكة المكرمة، فوصلها لأداء فريضة الحج متخفيا، وبلغ الملك قدومه، فأرسل إليه من يأتي به، وحال قدومه بين يديه قال له الملك عبدالعزيز: ما حق الجاهل على العالم يا سيد؟ فأجابه: أن يعلمه، فقال له الملك: ولماذا تحرم الناس من علمك؟ وكان ما أراده الملك طيب الله ثراه، وصدر مرسوم بتعيين السيد العالم مديرا للمعارف في المملكة العربية السعودية.

إنها القيم الكبيرة التي أراد الملك يرحمه الله أن يؤسس لها، وتم له ذلك بحكمته ومودته وعفوه التي جعلها في موضع الشدة والقسوة. وسار من بعده أبناؤه على ذاك السمت، وتلك الفضائل وصولا إلى هذا العهد الميمون. ولهذا فحري بنا كمواطنين أن نكون جزءا من هذه القيم الأصيلة، ولا سيما أنها قيم حق وفضائل صدق تميز بها العرب أبا عن جد، وما أحرانا أن نكون ممثلين لها، وهي رسالتي لكل مغرد سعودي.

المغرد السعودي هو ذاك الذي يعكس قيم وطنه ومروءة بيئته العربية الأصيلة، فلا يقع في الأعراض حتى ولو كان ذلك بحجة الدفاع عن الوطن، ويترفع عن تدنيس لسانه بالشتم والسباب، وهو المدافع عن هويته بالحجة والمنطق، وبالصمت حين يفجر الآخر، فالصمت حجة الأقوياء، والتماهي في السقوط سمت الضعفاء.

المغرد السعودي هو الذي يؤمن بعروبته الممتدة فلا يقطع امتدادها شرقا وغربا، وهو الذي يرى نفسه حاضرا بعروبته من أقصى المغرب العربي إلى أقصى الشرق العربي، أي من الماء إلى الماء، مدافعا عن وجوده العربي هنا وهناك لا متخليا عن امتداده العروبي متهما الآخرين بأنهم أمصار لا ينتمون للأرومة العربية بصلة، كما يدعي البعض بجهل وسفه وسوء نية للأسف.

المغرد السعودي هو ذاك الذي لا يفرق بدافع عنصري، ولا يمتهن، ولا يزدري، ولا يظلم، ولا يُقصي أحدا انطلاقا من لون أو عرق أو انتماء مناطقي أو اختلاف فكري، فالكل سواء في هذا الوطن الذي أسس مفاصله ملك حكيم وقيادة عظيمة.

المغرد السعودي هو ذاك الذي اقتبس من روح مكة الطاهرة قبسا من نور، واستضاء قلبه بأنوار النبوة، وامتد صدره رحابة برحابة الصحراء الفسيحة، ولان جسده بقوة مع صعوده تلك الجبال العالية، باختصار هو ابن بيئته العريقة المكتنزة بكل قيم الأصالة والمروءة العربية الممتدة.

المغرد السعودي هو كل ما ذكرت وأكثر، فهل آن الأوان لنستعيد ذاتنا، ونساعد من خرج ليعود إلى أصالته ومروءته العربية، ونقف صفا واحدا في وجه كل من يحاول أن يخرم هذه القيم والفضائل، سواء كان مجهولا أو بمعرف. فالوطنية الصادقة تبدأ من هنا، ولا قيمة لأي حق إذا أزهقت الفضائل والمروءات.

zash113@