الوظائف الأكاديمية ليست مجرد أرزاق!
السبت / 6 / ذو القعدة / 1441 هـ - 20:30 - السبت 27 يونيو 2020 20:30
قبل أيام قليلة بعث إلينا أحد الزملاء مقطع «فيديو» لرئيس جامعة محلية وهو يتحدث في لقاء أجري معه، وقد تباينت الردود حيال ما ورد في المقطع، فالبعض أثنى عليه ومجّده، والبعض الآخر ذمه وحقره، ولا بأس في كلتا الحالتين، طالما أن النقاش لا يتطرق للذوات ولا للصفات، وهذا - كما يقال عند الديموقراطيين - من الرأي والرأي الآخر، فالذي أثنى عزا ثناءه لمعرفته الشخصية بالرئيس، والذي ذم وحقر عزا ذلك لركاكة الأسلوب وسطحية المضمون، وكل هذا مقبول بما أنه ضمن دائرة النقد والأخذ والرد، ولكن الإشكالية أن يأتي من يقول: إن هذه المراكز الوظيفية التي يتربع عليها رئيس هذه الجامعة أو تلك إنما هي من أرزاق الله التي أنعم بها عليهم، ولذلك لا بأس أن يتلعثموا في الكلام، أو يخطئوا في التصرف، أو يفشلوا في العمل!
وقد يظن البعض أن مثل هذا التبرير في ظاهره صواب إذا ما استحضرنا حقيقة أن الله عز وجل قد قسم الأرزاق بين عباده، ولكنه في المضمون – وهذا الأهم - يتصادم مع مبادئ كثيرة جدا، كالنقد الحر، والمساءلة والمحاججة أو الشفافية في المراقبة والمحاسبة، بل إن هذا التبرير وما يشابهه إنما هو بمثابة الضوء الأخضر أو الغطاء المقدس لممارسة ما شاء صاحبه من الممارسات الإدارية والمالية المشبوهة وغير السوية، في جو لا يحكمه إلا وازعه الديني إن وجد، وهذا لا يمكن قبوله بأي حال من الأحوال في المؤسسات الحكومية أو فيما يتعلق بشؤون الناس ومصالحهم.
كثير منا يقف ضد هذا النوع من التعليل والتسبيب، وضد استخدامه في كل مناشط الحياة وليس المجالات الأكاديمية فحسب، بل
ينبغي ألا نحتج بالقضاء والقدر في حالات لا يجوز الاحتجاج بهما فيها، فمثلا لو قام غر بـ «التفحيط» في مكان عام ثم أتلف بعض المرافق العامة أو ممتلكات الخاصة أو أكثر من ذلك الأرواح، فسيأتينا من يحتج بأن ما حدث قضاء وقدر! وهو في الواقع ليس كذلك، بل سوء تربية وفساد عريض، وكذا الحال لو سرق سارق فلا يصح أن نقول على ما سرقه إنه رزق رزقه الله إياه، والمراكز الوظيفية لمن لا يستحقها لا يصح أن يقال عنها «أرزاق الله»، أيا كانت أكاديمية أو غيرها، بل هي آثار الفساد الذي لا نعلم أصله ولكننا نرى أثره!
اختيار القيادات الأكاديمية، خاصة رؤساء الجامعات يفترض ألا يكون متروكا هكذا للمجاملات الشخصية أو الترشيحات المنطوية على فوائد متبادلة، ولا لعوامل الصدفة والحظ أو لدواعي القرب والعلاقات العائلية، بل يجب أن يكون مرتبطا ارتباطا مطردا بالكفاءة والقدرة، وأظنه من الصعوبة بمكان أن نتخيل رئيس جامعة لا يحسن الحديث فضلا عن الحوار نفسه وتنويع أدواته والإمساك بزمامه، فرئيس الجامعة بجانب القدرة الإدارية والكفاءة العلمية والتطوير الذاتي المستمر، لا بد أن يكون ذا «كاريزما» متميزة، تميّزه عن غيره، وله رؤية خاصة في المجال الذي يتولاه، تجعله مؤهلا لأن يحكي يوما ما قصة نجاحه كقائد، ما عدا ذلك فهو شنشنة نعرفها من أخزم، أو «بروباغندا» مستهلكة يصنعها التافهون ويصفق لها السذج!
اختيار رئيس الجامعة في النظام الجديد للجامعات لا يخضع للترشيحات الشخصية، وإنما لترشيح مجلس الأمناء، ولكن لأن النظام لم يطبق كله حتى الآن فإن نجاح رؤساء الجامعات الحاليين يحسب معظمه لهم أنفسهم، ولكن فشلهم إن حدث - لا سمح الله - لا يحسب عليهم وحدهم، وإنما بدرجة أكبر على الوزارة التي قبلت ترشيحات من رشحهم ابتداء، ووافقت هكذا دون الوقوف بشكل جاد على محققات الكفاءة ومؤهلات القدرة الإدارية لديهم، وعلى الرغم من أهمية التنظير حول الكفاءة والقدرة إلا أن خسارة الوطن في عدم نجاح القيادات الأكاديمية لا تقدر بثمن!
drbmaz@
وقد يظن البعض أن مثل هذا التبرير في ظاهره صواب إذا ما استحضرنا حقيقة أن الله عز وجل قد قسم الأرزاق بين عباده، ولكنه في المضمون – وهذا الأهم - يتصادم مع مبادئ كثيرة جدا، كالنقد الحر، والمساءلة والمحاججة أو الشفافية في المراقبة والمحاسبة، بل إن هذا التبرير وما يشابهه إنما هو بمثابة الضوء الأخضر أو الغطاء المقدس لممارسة ما شاء صاحبه من الممارسات الإدارية والمالية المشبوهة وغير السوية، في جو لا يحكمه إلا وازعه الديني إن وجد، وهذا لا يمكن قبوله بأي حال من الأحوال في المؤسسات الحكومية أو فيما يتعلق بشؤون الناس ومصالحهم.
كثير منا يقف ضد هذا النوع من التعليل والتسبيب، وضد استخدامه في كل مناشط الحياة وليس المجالات الأكاديمية فحسب، بل
ينبغي ألا نحتج بالقضاء والقدر في حالات لا يجوز الاحتجاج بهما فيها، فمثلا لو قام غر بـ «التفحيط» في مكان عام ثم أتلف بعض المرافق العامة أو ممتلكات الخاصة أو أكثر من ذلك الأرواح، فسيأتينا من يحتج بأن ما حدث قضاء وقدر! وهو في الواقع ليس كذلك، بل سوء تربية وفساد عريض، وكذا الحال لو سرق سارق فلا يصح أن نقول على ما سرقه إنه رزق رزقه الله إياه، والمراكز الوظيفية لمن لا يستحقها لا يصح أن يقال عنها «أرزاق الله»، أيا كانت أكاديمية أو غيرها، بل هي آثار الفساد الذي لا نعلم أصله ولكننا نرى أثره!
اختيار القيادات الأكاديمية، خاصة رؤساء الجامعات يفترض ألا يكون متروكا هكذا للمجاملات الشخصية أو الترشيحات المنطوية على فوائد متبادلة، ولا لعوامل الصدفة والحظ أو لدواعي القرب والعلاقات العائلية، بل يجب أن يكون مرتبطا ارتباطا مطردا بالكفاءة والقدرة، وأظنه من الصعوبة بمكان أن نتخيل رئيس جامعة لا يحسن الحديث فضلا عن الحوار نفسه وتنويع أدواته والإمساك بزمامه، فرئيس الجامعة بجانب القدرة الإدارية والكفاءة العلمية والتطوير الذاتي المستمر، لا بد أن يكون ذا «كاريزما» متميزة، تميّزه عن غيره، وله رؤية خاصة في المجال الذي يتولاه، تجعله مؤهلا لأن يحكي يوما ما قصة نجاحه كقائد، ما عدا ذلك فهو شنشنة نعرفها من أخزم، أو «بروباغندا» مستهلكة يصنعها التافهون ويصفق لها السذج!
اختيار رئيس الجامعة في النظام الجديد للجامعات لا يخضع للترشيحات الشخصية، وإنما لترشيح مجلس الأمناء، ولكن لأن النظام لم يطبق كله حتى الآن فإن نجاح رؤساء الجامعات الحاليين يحسب معظمه لهم أنفسهم، ولكن فشلهم إن حدث - لا سمح الله - لا يحسب عليهم وحدهم، وإنما بدرجة أكبر على الوزارة التي قبلت ترشيحات من رشحهم ابتداء، ووافقت هكذا دون الوقوف بشكل جاد على محققات الكفاءة ومؤهلات القدرة الإدارية لديهم، وعلى الرغم من أهمية التنظير حول الكفاءة والقدرة إلا أن خسارة الوطن في عدم نجاح القيادات الأكاديمية لا تقدر بثمن!
drbmaz@