الرأي

كلنا مع إعلامنا

طلال الشريف
معظم الإعلام اليوم فقد الحرية المسؤولة والمهنية الاحترافية والموثوقية كسلطة رابعة في نقل الأخبار وتداولها وكتابة التقارير وتقديم التحليلات والبرامج الحوارية والأفلام الوثائقية واستشراف المستقبل، بل وتحول من سلطة ناعمة محايدة وتوعوية وتثقيفية ورقابية وتقييمية إلى طرف رئيس في صناعة الأزمات والصراع بين دول العالم بانتهاجه سياسات التضليل، وتعبئة الشعوب وتهييجها، وتضخيم الأحداث، وتبني القضايا الفئوية التي تتعارض ومشروعات التنمية وقيم الاستقرار والتسامح والتعايش والسلام العالمي.

وزاد الأمر سوءا بظهور وسائل التواصل الاجتماعي وبروز نمط الإعلام الفردي - إعلام التغريدات - الذي يفتقد للمعايير التخصصية والمهنية الإعلامية، ويتحرك غالبا وفق عواطفه ويقوده أصحاب الحسابات النشطة والمتابعين الكثر، بغض النظر عن صحته ودقة محتواه وفاعليته، فتغريدة واحدة لا يتجاوز عدد حروفها المئة حرف كفيلة بتعبئة المجتمع، والإساءة للعلاقات بين فئاته، وتشويه الإنجازات، وخلق الصراعات، وتصفية الحسابات، ويذهب إلى أبعد من ذلك بالتأثير على مستوى العلاقات بين الحكومات وبين الشعوب.

وفي مملكتنا الحبيبة نتفق على أن مستوى إعلامنا الرسمي دون المأمول ولا يوازي تطلعاتنا ومكتسباتنا الوطنية بكل صراحة، وإن كان في السنوات الثلاث الأخيرة تطور إلى حد ما وأصبح صوته مسموعا ومؤثرا على الساحتين المحلية والإقليمية، بدليل اهتمام أخبث وسيلة إعلامية إقليمية ودولية - وهي قناة الجزيرة - بمتابعة إعلامنا في برامجه وأدق تفاصيله، والسعي إلى تشويهه والتشكيك في مصداقيته واعتباره إعلاما موجها في قالب مستنسخ ومكرر، خاصة في برامجه الحوارية السياسية، وكذلك الهجوم الذي شنته وسائل الإعلام التركية والإيرانية في فترات متقطعة على إعلامنا في تغطياته لسياساتهم التوسعية في المنطقة. ويحسب لإعلامنا الرسمي وبكل صراحة نقاؤه وابتعاده عن مستنقع الإثارة والفبركة والتضليل الإعلامي والتدخل في شؤون الدول وسياساتها.

وفي المقابل إعلامنا الفردي أو إعلام وسائل التواصل الاجتماعي، خاصة تويتر من أقوى الإعلام على المستوى الإقليمي وحتى الدولي في التفاعل مع الأحداث والدفاع عن قضايانا الوطنية، حتى وصل إلى مرحلة من التجاوزات غير المقبولة التي يمكن أن تؤدي إلى انعكاسات خطيرة على المستويين الداخلي والخارجي ما لم يتنبه إليها المغرد السعودي، وأهم تلك التجاوزات التقليل المتعمد وحتى الإساءة لدور الإعلام الرسمي ومستوى تأثيره ومقارنته بإعلام التغريدات، وهو ما يشكل تهديدا لمكانة ودور مؤسسة من أهم مؤسسات الدولة، فلكل منهما رسالته وطبيعته ونمطه، ويجب أن يكون دورهما مكملا لبعضهما البعض بما يخدم الغايات الوطنية النهائية.

ومن تجاوزات إعلام التغريدات تقييم نفسه وأنه الأفضل من وسائل الإعلام الرسمية في الدفاع عن الوطن وقضاياه وقيادته، وهو ادعاء خطير - حتى وإن كان صحيحا - على كيان الدولة ومؤسساتها الرسمية التي تعمل وفق سياسات وطنية ورسمية، ويعكس صورة غير جيدة عن المغرد السعودي في علاقته بمؤسسات الدولة وتعاطيه مع الأحداث والتفاعل مع قضايا وطنه الداخلية والخارجية، وكذلك ممارسته سياسة التصنيفات بمسميات ما أنزل الله بها من سلطان مثل: مغرد وطني، الجيش السلماني، وإلى آخره من المسميات التي تشكل خطرا على اللحمة الوطنية والانصهار الوطني الذي أوجده المؤسس يرحمه الله في قالب من الوحدة الوطنية النموذجية.

ومن تجاوزاته أيضا أخذ دور بعض المؤسسات الرسمية في كشف الفساد وأصحاب المنهج الخفي والفكر المتطرف، ونشر ذلك في حساباتهم وتجييش المجتمع على تلك الفئات، قبل أن تتخذ الجهات الرسمية إجراءاتها وتقوم بدورها في التحقيق معهم ومحاسبتهم وفق نظام الدولة، في حين أن الدور الحقيقي لأي مواطن تجاه تلك الفئات لا يتجاوز إبلاغ الجهات الرسمية وفق القنوات الرسمية المعلن عنها.

وأخيرا تبني كثير من الهاشتاقات لكل شاردة وواردة وصغيرة وكبيرة دون قراءة واعية وفاحصة لآثارها الإيجابية والسلبية.

وفي كل الأحوال ومن وجهة نظر شخصية فإن إعلام التغريدات قوة وطنية مهمة، ولها دور إيجابي في ضوء التأثير الكبير لوسائل التواصل الاجتماعي، إذا ما عرف حدود رسالته الإعلامية، وأدرك دوره في تعزيز مكانة الإعلام الرسمي والتعاون معه، واحترم المؤسسات الرسمية خاصة الأمنية منها في القيام بدورها وتقديم المساعدة لها وفق الأنظمة والقوانين الوطنية، والدور الأكبر في ذلك يقع على قادة إعلام التغريدات في تحري الدقة والمصداقية ومآلات التغريدات والهاشتاقات والارتقاء بمستوى الطرح لقضايانا الوطنية، فليس كل مغرد قادرا على التغريد بالصورة الصحيحة التي تخدم سياسات وطننا وتدافع عن قضاياه الداخلية والخارجية.

ولندرك جميعا أن إعلامنا الرسمي المرئي والمقروء والمسموع واجهتنا في رسم صورتنا المميزة أمام العالم كبلد متحضر ومتقدم وكشعب واع ومثقف، وأن واجبنا دعمه وتجنب انتقاصه والتقليل من مستوى تأثيره، وتقييمه بشكل موضوعي بما يسهم في تطويره والمحافظة على مكانته.

drAlshreefTalal@