الرأي

عمرتك بمنظور جديد

دبس الرمان

هبة قاضي
هل تعرف ما هو نظام المحاكاة (simulation)؟ هو عبارة عن ابتكار حديث يتم فيه إكساب الناس مجموعة من المهارات أو المفاهيم من خلال برنامج افتراضي يجعلهم يعيشون تجربة حقيقة. مثال أن تدخل متحفا للعلوم الطبيعية ويقومون بتهيئة لعبة تجعلك تعيش أجواء وحرارة ومشاهد انفجار بركان. ومثال آخر أن تكتسب المهارات المالية من خلال برنامج تدريبي يقوم على لعبة تكون فيها مستثمرا وتمر بخطوات عملية عليك خلالها اتخاذ قرارات حاسمة لكي تصل لأهدافك المالية. والواقع هو أنني أعتقد أن المسجد الحرام وشعائره المقدسة من عمرة وحج عبارة عن أكبر نظام محاكاة عرفته البشرية. منذ رمضان الماضي لم أعد أعتمر كما كنت أعتمر من قبل. فقد بدأت أفكر وأربط كل الشعائر بمدلولاتها في الحياة. ففي البداية يجب أن ننوي العمرة من الميقات، لأن أي عمل في حياتنا يجب أن نبدأه بنية مقرونة بعمل يثبتها. وأنه علينا الاستعداد لكل سعي بما يناسبه من ملبس ومظهر ومهارات ليسهل قبولنا واندماجنا مع الآخرين. ثم ندخل المسجد الحرام الذي لا فصل فيه ما بين الرجال والنساء، والذي يثبت أننا في سعينا في الدنيا سواء، وأن علينا تهذيب وضبط أنفسنا في كل وقت ومكان. ثم نستهل بالطواف والذي يمثل دواخلنا المفطورة على التوجه لمصدر أوحد ألا وهو الله. وأن كيفية تعاملنا مع هذا الزحام النفسي في ذواتنا ومع الآخرين يحدد مدى قبولنا وبالتالي مدى توفيقنا. ثم إذا توجهنا إلى المسعى لوجدنا اسمه مقترنا بسعينا الدنيوي لتحقيق أهدافنا. فبعد زحام الطواف ومحدوديته، ها هي مكافأة من تعداه بنجاح للسعي في رحاب الدنيا. والفلاح لمن يمتلك القوة، والصبر، والعزم على الإنهاء. نعم لم تعد العمرة أو زيارة الحرم كما كانت. فلو أننا نظرنا في رمضان إلى تلك التدفقات من البشر مختلفي اللون والفكر والثقافات، وكيف أن نظاما إلهيا يسيرهم نحو هدف واحد، لتعلمنا أنه مهما اختلفنا في عمل أو بيت فإن الأهداف المشتركة تجمع كل الاختلافات. ولو أننا تأملنا في أولئك الذين يقفون في الطواف ليرشوا الماء على رؤوس المعتمرين في عز الحر والزحام لأدركنا معنى التفريج على العباد في أحلك الأوقات بأبسط المبادرات. ولو أننا تأملنا في أولئك الذين يقفون من قبل الأذان بوقت ثم بعده يوزعون التمر ويصبون الماء ويمسكون الأكياس لتلقي الناس فيها المخلفات، لاستوعبنا أن الأثرة خصلة يضعها الله في البعض لتكون للآخرين تسخيرا ورخاء. والأهم هو وعينا بأننا كما نكون في المسجد الحرام في عز الزحام، نكون نحن وتكون لنا الحياة. heba.q@makkahnp.com