الرأي

الشيخ الطنطاوي ودرس في بر الوالدين

عبدالله محمد الشهراني
قصة تجمع ثلاث شخصيات، الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله وأب وابنه، والأب صديق عزيز للشيخ علي، أروي هذه القصة بلسان أحد أبطالها، وهو الأصغر سنا بينهم.

القصة أنه أثناء زيارة الأب للشيخ علي الطنطاوي في منزله، شعر الشيخ بأن صديقه حزين أو متضجر من أمر ما، سأله الشيخ: ما الذي يحزنك يا صديقي العزيز؟ الأب: خصام وزعل حصل بيني وبين أحد أبنائي، والذي هو في مقام كبير ومعزة خاصة. الشيخ: ما الحكاية؟ الأب: كنت في حاجة للمال لإكمال عمارتي الجديدة، عمارة سوف تكون وحداتها مخصصة لكل أفراد العائلة، جميع الأبناء - العاملين - قد ساهموا فيها، حتى هذا الابن الذي أنا في خصام معه، بل كانت مساهمته هي الأكبر، لكن وبسبب الحاجة طالبته بالمزيد هو بالذات، لكنه رفض، وبدأ يلومني ويذكرني بأنه هو أكثر من ساهم في العمارة، وبأن لديه أبناء ومصروفات أخرى، فغضبت منه وغضب مني وكانت الخصومة. الشيخ: لماذا منه بالذات، أين بقية الأبناء؟ الأب: جميعهم رفضوا تقديم الدعم. الشيخ: اتق الله في ابنك يا صديقي، ألأنه الابن البار تمارس الضغط عليه. الأب: يا شيخ علي.. ما الحل؟ أريد أن أتصالح معه فساعدني. الشيخ: دع الأمر لي.

تواصل الشيخ مع الشاب. الشيخ: أين أنت يا رجل، لم تعد تزورني ولم أرك منذ زمن! الشاب: أزورك الآن إن أحببت؟ الشيخ: أنا في انتظارك. وصل الشاب وسأله الشيخ: لم أنت وحدك أين والدك؟ الشاب: لم أخبره ولم تطلب مني حضوره! الشيخ: لكنك تحضر دائما معه! هل حدث شيء ما بينك وبينه؟ الشاب: نعم يا شيخ، وقص عليه نفس ما ذكره والده للشيخ من قبل. بعد أن انتهى الشاب من القصة، صمت الجميع برهة! ثم قال الشيخ: أنت شاب متعلم ومثقف، أريد أن أسألك سؤالا: ما هو أعظم جرم وذنب في الوجود؟ رد الشاب: الشرك بالله. الشيخ: هل يوجد شيء أعظم منه؟ الشاب: لا.

الشيخ: بل هناك ما هو أعظم.. الدعوة للشرك، أليس كذلك؟ الشاب: أجل.. الدعوة إلى الشرك بالله أعظم من أن يكون الفرد بذاته مشركا. الشيخ: هل تتوقع أن هناك ما هو أعظم من الدعوة إلى الشرك بالله!؟ الشاب: لا أبدا. الشيخ: بل هناك ذنب هو أعظم من الدعوة إلى الشرك. الشاب: ما هو هذا الذنب؟ (الشاب حافظ للقرآن ومثقف في الدين لدرجة كبيرة).

الشيخ: قتال الناس حتى يشركوا بالله.. أليس كذلك؟ الشاب: صدقت يا شيخ علي. الشيخ: ومع هذا يا بني يقول الله تعالى «وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا». مهما يكن ظلم الوالدين، فمصاحبتهما بالمعروف أمر إلزامي، ووالدك لم يصل إلى هذه المرحلة.. يمكنك الرفض لكن الصحبة بالمعروف والقول اللين والزيارة وحسن التعامل أمور أوصى بها ديننا الحنيف. انهار الشاب بين يدي الشيخ باكيا، وطلب مساعدته في الصلح مع أبيه. اتصل الشيخ بصديقه وطلب منه زيارته في الحال، حضر الأب إلى منزل الشيخ.. واندفع الشاب نحو والده وأخذ يقبل رأسه ويده.

يقول اللطيف العظيم سبحانه «وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا، إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما».

@ALSHAHRANI_1400