الرأي

اقعد عندي وكل «برتكان»!

سنابل موقوتة

عبدالله المزهر
لا أعلم هل الطقس هذا العام أقل حرارة من الأعوام السابقة أم إنه جاء في وقت كنا ننتظره بشدة ولهفة بعد أن صدقنا المفتين الذين يقولون إن كورونا ليس مثلنا قادرا على تحمل حرارة الصيف، وكنا ننتظر أن تأتي «لواهيب» لا تبقي ولا تذر وتفتك بالفيروس فتكا. وحين أتى الحر المعتاد لم نشعر أنه قاس بما يكفي.

لدي بعض الأصدقاء المترفين ينتظرون على أحر من الاسفلت في هذه الأيام رفع الحظر عن رحلات الطيران الدولي حتى يتمكنوا من السفر والتعرف على ثقافة البلدان الأخرى بعد أن أنستهم أيام الحظر عادات وثقافة شعوب العالم، أما بالنسبة لي فلم أكن أسافر أيام السعة حتى أسافر الآن والعالم في أضيق أيامه، ثم إن هذه السنة متقلبة وغريبة فليس مضمونا أن تحل كارثة أخرى أو وباء جديد بعد أن أغادر الحدود ثم تصبح العودة أمرا عسير المنال، وأنا لدي ما يشبه الفوبيا من الخروج من السعودية، أشعر أن أحدا سيغلق الباب خلفي حين أغادر ثم يبلع المفتاح. ولذلك لم أسافر حتى في «شهر العسل»، ولذلك لا أستغرب من نفسي عدم الرغبة في السفر في أشهر الخفافيش.

وقد حدثتني نفسي أن هذا ربما يكون بخلا وحبا في جمع الأموال والقناطير المقنطرة من الريالات، وأنه ربما كان يجب أن أحظى بفصل كامل في كتاب البخلاء للزميل الجاحظ، وقد كدت أصدق ذلك حتى تذكرت أني قد رفضت السفر مرات كثيرة «محفولا مكفولا»، ووجدت أني أصرف في الحل ما في الجيب وما في الغيب، فارتحت وهدأت نفسي وأمنت بأن للناس فيما يعشقون مذاهب، وأن كل ما في الأمر أني لا أعتنق مذهب عشاق السفر.

وحين يشد الرفاق الرحال إلى إسكندنافيا وبلاد الفرنجة وبني الأصفر والأحمر، أكون متوجها في رحلة الصيف إلى الجنوب، وفي الغالب الأعم فإن هذه الرحلة لا تهدف إلى الاستجمام والبحث عن الأجواء الباردة والتهام ما لذ وطاب من الفركس والرمان والعنب، ولا الفتك بـ«تيوس» تهامة، ولكنها لقضاء أيام مع والدي وأهلي، ولو شدوا رحالهم من هناك إلى بلد أشد حرارة من الظهران لكانت وجهتي الجديدة.

وفي هذا العام ومع أن أفواج المسافرين إلى الجنوب تزيد يوما بعد آخر، إلا أني أتردد كثيرا في القيام بهذه الرحلة بسبب هذا الفيروس اللعين، ليس خوفا على نفسي ولكني أخشى أن تكون الهدية التي سأدخل بها على والدي هي هذا الفيروس المستجد.

وعلى أي حال..

أحب المسافرين ولست منهم، وكذلك لا أستسخف الأشياء التي لا أحبها، وكل ما في الأمر أني أقول لعشاق السفر إنه ليس ضرورة قصوى هذه الأيام، أكمل هذا العام فقط في منزلك، ثم انطلق وتعرف على ثقافات الشعوب ولا تقلق، فلن تغير الشعوب ثقافتها قبل أن تتعرف عليها.

agrni@