الرأي

مخدر أدمنا عليه ونحن لا نعلم

فاطمة جعفر آل هليل
بعد يوم عمل طويل ومتعب لا تجد ملجأ تحط رحال تعبك فيه إلا وسادتك، حينها يتسلل إليك الوحش المربك الذي يؤرق جفنيك ويسلب النوم من عينيك؛ هاتفك النقال، هاتفك الذي عليك قبل أن تسمح لعيونك بالإبحار في عالم الأحلام أن تفتش كل أرجائه وتفتح كل تطبيقاته وتنظر لجديد رسائلك ومحتواها الذي في الغالب ما يكون مكررا، حتى يُسلب النوم من الجفون، وإن استسلمت للنوم استيقظت متعبا بعقل منهك.

هذا بالنسبة لك أنت، لكن يوجد آلاف الأطفال على هذه الكرة الأرضية يستطيعون الخوض في غمار هذا العالم الافتراضي المتعب وهدفهم الوحيد الهروب من واقعهم ومشاكلهم، هذا العالم الافتراضي الذي يبدو الجميع فيه «مثاليا» لدرجة عالية جدا، فعندما يدخل له طفل هارب من مشاكل والديه ويرى صور أصدقائه مع أهلهم مليئة بالحب والعطف والحنان يدخل في موجة خطيرة من الحزن والاكتئاب، سببت انتحار عدد كبير من الأطفال مع الأسف.

فيا ترى ما الذي حدث في عقول هؤلاء الأطفال وسبب لهم هذه الآثار الجسيمة؟ أو ما الذي حدث في عقلي أنا البالغ حتى حُرمت عيوني النوم وسُلب دماغي راحته؟

لو كان الفيس بوك دولة لكانت اليوم أكبر دولة في العالم، حتى إنها ستكون أكبر من الصين في التعداد السكاني، وفي اليوم الواحد ينشر داخل فيس بوك نحو مليار بوست، وفي تويتر نحو 200 مليار تغريدة كل عام، أرقام مهولة لها تأثير عظيم على عقولنا، تأثير يشابه تأثير الكحول والمخدرات، تأثير نتيجته الإدمان والنشوة والسعادة المؤقتة ثم حزن واكتئاب وتحطم.

عندما يحصل شخص على مشاهدات عالية في أحد التطبيقات ويحصل على عدد خيالي من «LIKES» يتدفق في دماغه هرمون السعادة «dopamine»، استخدام هذه التطبيقات يمنح الإنسان شعور الانتماء لمجتمع ضخم أيضا، وإن كان هذا الشعور مزيفا لكنه ينتج الهرمون نفسه، وفي كل مرة يطلب الجسم هذا الهرمون تزيد نسبة إدمانك على هذه المواقع والتطبيقات.

أظن أن هذا الإحساس قد مر علينا جميعا، أسمع هاتفي يرن وهو لا يرن أو أشعر به يهتز وهو لم يهتز، هذا الأمر يسمى بمتلازمة الاهتزاز الوهمي «Phantom Vibration Syndrome». كذلك نحن نضر عقولنا ونحن لا نعلم، فعندما نفتح هاتفنا ونتنقل من تطبيق لآخر ونحن نشاهد التلفاز أو ننهي عملنا أو نعمل أي عمل آخر فإننا نقوم بأمر يسمى تعدد المهام أو «Multi tasking» وهو أمر ضار جدا بالدماغ، حيث لاحظ العلماء أن منطقة النواة المتكئة أو «Nucleus Accumbens» المسؤولة عن إحساس المكافئات تنشط كثيرا عند حديثنا عن أنفسنا، وفي حياتنا الواقعية فإن حديثنا بين الناس عن أنفسنا لا يتجاوز 30% إلى 40% من مجمل حديثنا، أما في مواقع التواصل فحديثنا عن أنفسنا يصل لنسبة 80% وهي نسبة مرتفعة جدا، فتنشط هذه المناطق الدماغية كلما زاد عدد متابعينا وعدد الإعجاب الذي نتلقاه في كل مرة ننشر فيها، والطريف في الأمر أن هذه المناطق تنشط بالطريقة نفسها عند تناولنا كثيرا من السكريات.

بعض شركات التأمين اليوم في الدول الأوروبية من قبيل شركة «First car Quote» لا تؤمن سيارتك مثلا إلا بعد الاطلاع على سجلاتك في برنامج فيس بوك، وذلك لأنهم يملكون برامج تحلل حالاتك المنشورة وأصدقاءك وصورك، ليعرفوا إن كنت سائقا متهورا أم لا، وبناء على ذلك يقدرون سعر التأمين، حتى لو أحببت الانضمام لوظيفة ما فإن سجلاتك الموجودة في كل الفضاء الالكتروني ستكون حاضرة مع سيرتك الذاتية عند أرباب العمل، وبناء على نتيجة تلك السجلات تقبل في الوظيفة أو ترفض.

لا يمكننا التغافل عن دور مواقع التواصل وفائدتها لأدمغتنا، فهي تقدم خمس فوائد:

1. نقول كل ما لدينا.

2. نسمع رأي الناس فيما نشرناه وفيما صورناه.

3. نتابع حياة الناس وماذا يفعلون.

4. نبدي آراءنا حول ما فعله أو قاله الآخرون.

5. نبني علاقات مع الآخرين.

فهي تعمل على تغذية حاجات الدماغ من ناحية الإفصاح عما يجول فيه أو أخذ مجموعة من ردود الأفعال الناتجة عن محتوى قدمته، وإشباع غريزة الفضول والمشاركة بين الناس.

لا يمكننا رفع شعارات المقاطعة لمواقع التواصل الاجتماعي لأننا استفدنا كثيرا منها، فكم من أموال جنينا وكم من صداقات شكلنا، وكم من تحديات خضنا، لكن لا بد أن نعرف أن هذه المواقع مثل الكوكايين لأدمغتنا، خاصة أدمغة المراهقين الذين قد يتعرضون لكثير من التنمر بسببها، فيدخلون في موجة خطيرة من الأمراض النفسية، وفي الأخير أمنية أي شخص على فراش موته أن يعيش وقتا أطول مع من يحب لا في متابعة أخبار غيره.

DayTechnique@