الرأي

اختبروا عرباتكم

عبدالحليم البراك
لن تعذر نفسك وأنت تشتري سيارة لم تعجبك لأنك لم تختبرها، لم تسأل عنها، لم تبحث عنها، وربما لم يسبق لأحد أن اشترى سيارة دون أن يستشير أهله وأصدقاءه عنها، لن تعذر نفسك إن لم تمنح نفسك وقتا لتعرف كل شيء عنها، في سياق آخر وعام، يقول سبينوزا «إنه لجدير بنا أن نختبر العربة قبل أن نسلم أنفسنا لها، فإن وجدنا فيها عيبا أو نقصا تناولناه بالإصلاح، تفاديا لما قد يؤدي إليه من خطأ، فقبل كل شيء يجب علينا أن نفكر في طريقه لإصلاح العقل وتنقيته».

لكن ما هي العربات التي حري بك أن تختبرها، فالسيارة الصغيرة التي تقلك من منزلك لعملك ليست العربة الوحيدة التي عليك أن تختبرها أو تصلحها أو تقوّمها أو تعيد تقويمها أيضا، ثمة عربات أخرى مرئية وغير مرئية تحتاج إلى استبصارها أولا، ثم اختبارها ثانيا، ثم ركوبها على حذر، ثم اعتلائها بكل ثقة، حتى تصبح أنت سيد عربات الحياة، لا أن تكون أولى تلك العربات عربة العقل والمنطق وهي «عربتان في عربة واحدة».

العقل رغم أنه القائد لك في كل شيء تحتاج إلى اختباره، فكثير من الأشياء نراها عقلانية وتنتمي إلى العقل والمنطق، ولكن بقليل من التأمل تجد أن العقل المنطقي بريء منها. اختبروا كل الأفكار من حولكم، اختبروا عقولكم وعقول من حولكم، لا تتبنوا إلا ما تملكون كامل الثقة بأنه صالح أن يكون جزءا من عقولكم، فالأفكار التي في عقولنا حول تصورنا للحياة والناس والتاريخ والفكر، قد تكون اختبرت في وقت ما في مكان ما وكانت صالحة له، لكنها الآن قد لا تصلح، وقد تصلح ببعض التعديلات المنطقية وقد تكون فعلا صالحة لكنك بحاجة لمزيد من الثقة في صلاحها لا يقاسمك نقاشها أحد.

ثانية تلك العربات عربة حياتك الشخصية، اختبر حياتك، اختبر يومك، تأكد أنها تسير وفقك أهدافك، إن كان ثمة خطط وأهداف! فإن لم يكن هناك خطط وأهداف ضع خططا ثم اختبر تلك الخطط والأهداف مع حياتك، فلا يجدر بك أن تكون حياتك وأهدافك آخر ما تختبره رغم أنها أهم المركبات وأولى العربات بالاختبار، وتشمل حياتك تصور لما سيكون عليه غدك، بل أنت جدير بسؤال: كيف ستكون بعد 15 سنة قادمة؟ أمد الله في عمرك.

اختبر أصدقاءك باستمرار، فإن من نعم قواعد الصداقة أنك لست مضطرا للعيش مع الأصدقاء طوال عمرك، فهم ليسوا أحد أعضاء جسدك التي لا تنفصل عندك، فأنت تتغير وهم يتغيرون وتتغير الأفكار والرؤية وأشياء أخرى، فاختبر عربة الأصدقاء ولا تجعل عربتهم تقودك إلى نهاية لم ترسمها أو لم تشارك في رسمها، اجعل من الصداقة عربة تقودك للحياة، لا شيئا مهترئا يقودك للألم والتفكير، وتذكر أنه دوما توجد حلول صغيرة وكبيرة لكل العربات من حولك لأن دقة هذا الكون التي خلقت الأسئلة، خلقت معها مئات الأجوبة التي تناسبك وتناسب حياتك وقيمك ومعتقداتك.

كلمات الفيلسوف سبينوزا ذات أهداف أكثر عمقا من هذا المقال، لكن بالتأكيد يمكن للكلمات الكبيرة أن تسعف الأفكار الصغيرة لعلها تنمو في حواف أنهارها فتستفيد منها، ثم نعود للأفكار الكبيرة، لأننا أسسنا أنفسنا على اختبار عرباتنا، فلا يبقى شيء في الحياة إلا اختبرته، حتى لا تبقى إلا نفسك، اختبرها هي الأخرى!

Halemalbaarrak@