الرأي

الرؤية الرقمية السعودية لـ2030

فارس عبدالله المالكي
لقد أثرت الثورة الرقمية على الحياة الإنسانية بصورة لا يمكن إغفالها وتحكمت في نمط الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وأصبح التطور الاقتصادي مرتبطا إلى حد كبير بقدرة الدول على مسايرة هذا التطور السريع، وركيزة أساسية في قياس تطور الأمم وتقدمها. ويمكن تقسيم مجالات الثورة الرقمية إلى ثلاث ثورات: ثورة المعلومات، وثورة الاتصال - التي بدأت بالاتصالات السلكية واللاسلكية وانتهت بالأقمار الصناعية والألياف البصرية -، وأخيرا ثورة التطور في الأجهزة والمكونات الالكترونية. وللحاق بالسباق الدولي والظفر بحصة من منافع الاتصالات وتقنية المعلومات، سعت المملكة العربية السعودية إلى بذل وتقديم كل أنواع الدعم لهذا المجال، وتذليل الصعوبات وتسهيل الإمكانات لتحفيز المجتمع بجميع مكوناته ومؤسساته المختلفة لتبني الخيارات التقنية وتطويرها. كما تم التركيز والاعتماد على المعرفة التقنية ودعم الاقتصاد المبني على مجالات الاتصالات وتقنية المعلومات بمختلف محاوره. حيث وضعت المملكة الخطط الملائمة على المديين: القصير والطويل؛ لتطوير الاتصالات وتقنية المعلومات، وتوسيع انتشارها وتسهيل الحصول عليها في جميع مناطق المملكة، بشكل يلبي احتياجات التنمية الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والصحية، وغيرها من مناحي الحياة، إضافة إلى تشجيع الاستثمار في هذه المجالات، وتجلى ذلك بوضوح من خلال معالم رؤية المملكة 2030. فبعد إعلان المملكة العربية السعودية عن رؤيتها للتحول الوطني والاقتصادي بحيث تنوع وتعدد مصادر دخولها الاقتصادية، لتقلل من اعتمادها على النفط المضطرب عالميا، جاءت الرؤية في ثلاثة محاور رئيسة هي المجتمع الحيوي والاقتصاد المزدهر والوطن الطموح. والمتأمل بين سطور الرؤية يجد عنصرا مهما وعاملا مساعدا لتحقيق أغلب أهداف الرؤية المباركة ألا وهو التحول الرقمي (الرقمنة). الفوائد المرجوة من الرقمنة السعودية: • استهلت الرؤية بالحديث عن مشاريع توسيع الحرمين الشريفين، وتضاعف أعداد المعتمرين ثلاث مرات خلال السنوات العشر القادمة. فهذا التوسع يحتاج تسهيلا أكبر في إجراءات طلب التأشيرات الكترونيا، علاوة على توسيع نطاق استخدام التطبيقات الذكية لتسهيل الحصول على المعلومات وتمكين الزائر من رحلة دينية متكاملة، واستكمالا لهذا الجانب فإن السعودية تسعى لبناء أكبر متحف إسلامي يستخدم التقنيات المتقدمة والتفاعلية لأخذ الزوار في رحلة عبر الحضارة الإسلامية. • تفعيل عناصر مجتمع المعلومات الأربعة: التجارة الالكترونية، التعليم الالكتروني، الحكومة الالكترونية، الصحة الالكترونية. • تكوين مجتمع المعلومات والذي يعتمد على التحوّل من المركزية إلى اللامركزية، والتحول من التعليم القائم على التلقين إلى التعليم الذي يدعم لدى الدارس القدرة على التفكير والابتكار وتعليم الذات. • تبسيط الإجراءات، وتنويع قنوات التواصل مع دعم استعمال التطبيقات الالكترونية والسحابة الالكترونية (Cloud Computing) ومشاركة البيانات ونظام إدارة الموارد البشرية. • التأثير بصورة إيجابية ومستدامة بالاعتماد على بروتوكلات انترنت حديثة ومتطورة لتتماشى مع التطورات الكبيرة في مجال التطور الرقمي مثل انترنت الأشياء (Internet of Things)، والبيانات العملاقة (Big Data). • تعزيز البرنامج الوطني لتقنية الأقمار الاصطناعية، والالتزام بالخطة من خلال تصنيع وإطلاق قمر اصطناعي كل عامين إلى ثلاثة أعوام تمهيدا لتمكين المملكة من تحقيق الاكتفاء الذاتي والمنافسة عالميا في هذا المجال. • توسيع خدمات نظم المعلومات الجغرافية، وتحديد المواقع لكل المواطنين والمقيمين بحيث تكون هناك منصة معلومات موحدة مركزية تجمع لهم معلومات شاملة لأسباب أمنية واقتصادية واجتماعية. • ضرورة توفير متطلبات التعاملات الالكترونية، وتقليص الفجوة المعرفية والرقمية بين مناطق المملكة وشرائح المجتمع المختلفة. • التركيز على مراحل التعليم المختلفة والتعليم العالي، بحكم أن التعليم ينشر المعرفة التي تؤسس قدرات تتيح نقل المعرفة وتراكمها، ثم توليدها واستثمارها في مختلف القطاعات. • دعم القطاع الوطني للإبداع والابتكار وإقامة حاضنات التقنية، والتوجه نحو صناعة منافسة واقتصاد قائم على المعرفة، والتوسع في إنشاء مراكز للبحث والتطوير والابتكار في مجال الصناعة بشكل عام، إضافة إلى الاستثمار في مخرجات مراكز البحث وتحويل الابتكارات والاختراعات إلى منتجات تسهم في دعم عجلة التنمية على غرار وادي الرياض للتقنية، ووادي مكة التقني، بادر، ووادي الظهران للتقنية. • اقتصاديا الحرص على مساعدة المنشآت الصغيرة لتسويق خدماتها والاعتماد على التسويق الالكتروني والتنسيق مع الأطراف الدولية للتبادل التجاري. • عسكريا توطين الصناعات العسكرية ونقل المعرفة والتقنية حتى الوصول إلى صناعة منتجات معقدة تقنياً داخل السعودية، كون نسبة كبيرة من الإنفاق العسكري السعودي تذهب للخارج. • زيادة نسبة التغطية للانترنت عالي السرعة في المدن وخارجها وتحسين جودة الاتصال. • التقدم أكثر عالميا في الحوكمة الالكترونية: إذ حققت السعودية تقدماً جيداً عالميا خلال السنوات العشر من المرتبة 90 إلى 36. • زيادة التواصل الاجتماعي وتبادل المعلومات والمعارف، ونشر مبادئ الحوار، وسماع الرأي الآخر. زيارات قائد بوصلة التحول الوطني: المتأمل للحِراك السعودي في الآونة الأخيرة في كافة قطاعات الدولة، وخصوصا في الاتفاقيات والشراكات التي وُقّعت مع عدد من الشركات العالمية في مجالات الهندسة وتقنية المعلومات، بقيادة صاحب الرؤية الطموحة والمتفائلة بمستقبل أكثر إشراقا للوطن الغالي صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله- يدرك حرص القيادة على هذا القطاع المهم، حيث أرسلت زيارات سمو ولي ولي العهد رسالة واضحة نحو الاقتصاد الرقمي المبني على المعرفة، وتعزيز مقومات مجتمع المعلومات، والمتسقة مع رؤية 2030 وبرنامج التحول الوطني، حيث شملت جولة الأمير محمد بن سلمان زيارة إلى وادي السيليكون (Silicon valley) الذي يضم مقرات كبرى شركات الاتصالات وتقنية المعلومات مثل: «Google»، «Apple»، «Intel»، «Yahoo»، إضافة إلى المراكز البحثية المهمة، ومنها المركز البحثي لجامعة «Stanford»، ووكالة الفضاء «NASA»، ومركز «Berkeley»، إضافة إلى اجتماعات مهمة، وتوقيع على مذكرات التفاهم مع «Microsoft»، و«Cesco»، و«Facebook»، و«Twitter» وهذه الاتفاقيات ستلعب دورا محوريا في تطوير البنى التحتية للاتصالات وتقنية المعلومات وتطوير الوعي والمهارات الرقمية، وتعزيز اتساق الاستثمارات مع الأولويات الحكومية. كما اشتملت الزيارة على اللقاء بأحد الروافد القوية لتعزيز رؤية المملكة الطموحة، وهم شباب وبنات الوطن المبتعثون بالخارج المتخصصون في مجالات مهمة، فهم من المعول عليهم خيرا للاستفادة من خبراتهم العلمية في كافة المجالات، ومنها الرقمنة في السعودية. يبقى دور مهم على عاتق المؤسسات الحكومية والخاصة لتدريب وتأهيل وبناء الأفراد في المراحل التعليمية المختلفة، للتكيف مع هذه المتغيرات بكفاءة متزنة، وبما يسهم في خلق بيئة جادة للتعاطي مع المستجدات الحديثة؛ للوصول إلى مجتمع معلوماتي ورقمي.