الرأي

أهمية شرعية التوقيع في العقود

عبدالله قاسم العنزي
تتعدد وسائل الإثبات التي يستخدمها صاحب الحق للوصول إلى حقه، والأدلة الكتابية هي الوسيلة الأقوى بين تلك الوسائل، فإذا لم يستطع صاحب الحق إثبات حقه بالأدلة الكتابية يلجأ عندئذ إلى الوسائل الأخرى، بما فيها الشهادة أو القرائن والإقرار واليمين والمعاينة والخبرة.

والتوقيع - موضوع حديثنا - له دور أساسي في إضفاء القوة الملزمة التي تتمتع بها الأدلة الكتابية، فهو شرط جوهري للتمسك بالدليل الكتابي كوسيلة لإثبات الحق، ويعبر عن صاحبه، ويمكن لمن يصدر عنه التوقيع أن يختار الطريقة التي سيفرغ توقيعه من خلالها إن كانت باستخدام القلم أو البصمة أو ختم يحدد هويته بشكل واضح.

ومن المشكلات التي يقع فيها كثير من الناس في علاقاتهم التعاقدية أنهم يوقعون عقودا هم ليسوا مخولين بالتوقيع عليها، وليس لهم صفة في العلاقة التعاقدية، لا صفة عادية ولا صفة إجرائية، ولا يمكن أن نأخذ بمبدأ حسن النية في مثل هذه المعاملات، ثم إذا حدث نزاع بين الطرفين فإن هذه التواقيع لا يعتد بها لأنها غير مشروعة في نظر القانون لاعتبار التوقيع في العقود أداة التعبير عن رضا المتعاقد عما يتضمن العقد ويعتبر قبولا أو إيجابا منه.

وقد حدث نزاع بين مؤسستين في مدينة الرياض على عقد بيع بضاعة بالجملة، وكان الموقع أحد أطراف العقد هو موظف من الجالية العربية كفيله صاحب المؤسسة، ولم يوقع صاحب المؤسسة بصفته هو المشتري لهذه البضاعة، لاعتبار أن المؤسسة الفردية يمثلها صاحبها بصفته الشخصية.

تفاصيل الواقعة تعود إلى أن المؤسسة البائعة تعاملت مع مؤسسة أخرى ببيع بضائع لها بالثمن الآجل، وذلك عن طريق مندوب المؤسسة التي اشترت البضاعة، ونتج عن هذه المعاملة تراكم مديونية في ذمة صاحب المؤسسة التي اشترت البضاعة، فالموظف - أي مندوب المؤسسة - خلع أو هرب، ولم يعرف له أثر أو مكان، والمؤسسة التي باعت البضاعة رفعت دعوى على صاحب المؤسسة، فأصدرت المحكمة حكما بأن المؤسسة المدعية بالحق لم تطلب من المندوب الذي تسلم البضاعة تعميدا أو تفويضا أو فتح حساب أو أوامر شراء من كفيله المدّعى عليه، ولم تطلب مصادقة المدعى عليه على مسحوبات مكفوله، وحيث لم تحصل المدّعية تلك المستندات من المدعى عليه؛ فإن المدعية تكون قد فرطت وتتحمل نتيجة تفريطها، ولذلك حكمة المحكمة برد الدعوى.

إن أهمية الوعي القانوني لإدراك أهمية صياغة العقود ومعرفة شروطها وأركانها وطرق حل النزاعات التي تنشأ بسببها وصفة كل طرف متعاقد فيها أمر لا يعذر الجهل به، خاصة لمن يمارس التجارة بالطرق الرسمية، ويؤسفنا أننا نجد أمية قانونية عند بعض التجار أو المؤسسات الصغيرة في طرق إبرام العقود، وما هي المستندات اللازمة لكل عملية تعاقدية.

والمتأمل للنزاعات في أروقة المحاكم بسبب العقود يجد في بعضها أن من وقع العقد ليس له صفة إجرائية لأنه لا يملك مستندا يخوله بالتوقيع نيابة عن الأصيل صاحب المؤسسة أو الجهة المتعاقدة، ولا يمثله أمام القانون. وإلى أن ألقاكم في حديث قانوني آخر.

expert_55@