الصعود إلى قمة الأرض!
السبت / 27 / رمضان / 1437 هـ - 02:15 - السبت 2 يوليو 2016 02:15
جبل (إفرست)، علم بلا نار، يرتسم على الحدود بين الصين والنيبال، ما بين منطقة التبت ذات الحكم الذاتي (مقاطعة شيغاتسي)، الصينية ومنطقة (سجارماتا النيبالية).
وتشمخ قمته إلى 8848 مترا، وهي أعلى قمة في آسيا، والأول في ترتيب قمم الجبال السبعة الأعلى عالميا.
وقد أحببت هنا أن أستعرض معكم الفيلم الأمريكي البريطاني المشترك (إفرست)، من إنتاج 2015، وهو فيلم إثارة وتشويق من إخراج المبدع (بلتازار كورماكور)، ويعتمد في قصته على أحداث حقيقية، تصور ما تعرضت له بعثة عدد من متسلقي الجبال في 1996، والذين تجمعوا بمختلف خلفياتهم الثقافية والعلمية والاجتماعية، والنفسية، حين كانوا يسعون لتحدي أصعب الظروف المناخية والطبيعية على الكوكب الأرضي، وتسجيل أسمائهم للتاريخ في لائحة متسلقي أعلى قمة جبل في العالم.
ويتبين من خلال القصة كيف تحولت رحلتهم من رحلة للمغامرة والمتعة، إلى صراع مرير لالتقاط شوارد الأنفاس، ومحاولة البقاء على قيد الحياة.
كمتفرج لن تملك إلا أن تندمج بكل جوارحك، مع التصوير المبدع الحقيقي، والذي أصر العاملون بالفيلم على تصويره في نفس الأماكن، التي وقعت فيها الحادثة، وفي نفس الموسم والظروف الجوية.
حقيقة لن تستطيع أن تلتقط أنفاسك من كثرة المصداقية، ومن شعورك بأنك فرد من بعثتهم، تعاني جميع ما يعانون منه، فلا تعود تعرف هل أنت في فيلم، أو في سرد وثائقي، أم في حقيقة يزيد من واقعيتها هندسة الصوت والتصوير الثلاثي الأبعاد.
هناك تقابلك الطبيعة القاسية، وتضاريس ليس لها من مثيل، وظروف جوية لا تشبه أي طبيعة عشناها من قبل، فدرجات الحرارة متدنية لما تحت الصفر بعشرات الدرجات، وسرعة الرياح الشتوية تجعلها كأنصال السيوف الباترة للأطراف، وتراكم الصقيع وحدوث الانهيارات الجليدية المهلكة، ونقص الأكسجين على تلك الارتفاعات يمنع وجود حياة حيوانية أو نباتية، في طبيعة تتحدى البشر مهما امتلكوا من خبرات ومن عوامل مساعدة يصعب تواجدها على ذلك الارتفاع.
أرواح من تشاركوا في مواجهة هذا العناء، متجردة من كل معاني الأنا، والشر، فكل منهم يحمل قصة إيمان عجيبة دفعته للتضحية والتخطيط والتمرن طويلا، حتى يتمكن من المشاركة في هذه التجربة الفريدة، ومشاعرهم تتمثل فيها كل معاني التعاطف بينهم، والفداء، والأخوة والتعاون، ومعاندة الخوف والتحدي، ومتابعة شوارد الأنفاس والبقاء.
كل منهم قرر أن يعاند الطبيعة الجبارة، وأن يتقي عمى الثلج، الذي يسببه تجمد القرنية.
كل منهم يتصبر لكي لا تذبحه لسعة الجليد، التي تفقد الساهي منهم أرنبة أنفه، أو أصبعا من أصابعه. كل منهم يعاند تجمد الأطراف، وتوقف الأنفاس، رغم موت أعداد كبيرة من زملائهم من بعثات المتسلقين.
الفيلم تجربة إنسانية شبه حقيقية لكل من يحلم بخوض التجربة، وهو يعلم أنه لن يتمكن من خوضها إلا في الخيال الافتراضي.
تصوير ثلاثي الأبعاد ينقلك بالصورة والصوت والاهتزاز والاندماج، إلى عمق معاناة ومشاعر ومشاهدات من يتسلقون تلك القمم وهم نوادر؛ ولا يقومون بذلك إلا في أيام معدودات من صيف لا يكون لتلك الطبيعة القاسية.
ويحار سؤال على ألسنتهم المتجمدة: فلماذا يقومون بذلك، وينتهي الفيلم ولا يكاد السؤال الحائر يجد له من جواب.
shaher.a@makkahnp.com