الرأي

تويتر: إلغاء مبدأ التثبت.. وصناعة ردود الفعل

مفلح زابن القحطاني
يشهد «تويتر» منذ فترة حضورا كبيرا ومتابعين كثيرين؛ بالنظر إلى طبيعة الأخبار والمواد المطروحة، وبالنظر إلى سرعة انتشار آخر الأحداث فيه، وطرحه العديد من القضايا التي يحرص الناس باختلاف شرائحهم على متابعتها، متضمنة كثيرا من الأماني التي يسعون إلى تحقيقها. والمتابع – ولو لفترات قصيرة أو متقطعة – لهذه الوسيلة من وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة يلاحظ أن الشخصية التويترية تشكلت لديها العديد من السمات والصفات التي تستطيع أن تقول: إنها سمات وصفات يمكن أن تشكل صورة أغلب متابعي تويتر والمتعاطين معه، وهي صفات وسمات استمرأتها الشخصية التويترية حتى أصبحت عند الغالب جزءا من التكوين. وإذا ما تجاوزنا أخطار «تويتر» الأخلاقية والأمنية وما يطرح فيه في هذا السياق مما يمكن أن يشكل خطورة حقيقية ويؤثر في السلوك تأثيرا يصل إلى حد الانحراف، وهي أخطار ومشكلات ليست باليسيرة، فإن «تويتر» في جهة أخرى ألغى لدى الكثيرين من متعاطيه الاستقلالية في الرأي والشخصية، وصناعة المبادرة، ومبدأ التثبت والتريث عند الاستماع إلى أخبار جديدة.. إلخ، وحول كثيرا من الشخصيات إلى شخصيات تابعة ومقولبة، تترقب ما يطرح لتسوقه بدون وعي. إن أغلب الشخصيات التويترية أصبحت – للأسف – أكثر تسرعا في الحكم على الأمور، وأسرع تفاعلا وردا، وأكثر تعجلا في تحميل المسؤولية، واندفاعا في النظر إلى الأمور ونتائجها ومسبباتها، دون أن يكون هناك أدنى مستوى من التثبت والتعقل والتريث، والنظر إلى الأمور بوعي وتأن، والنظر فيما يمكن أن يكون وراءها من دوافع وأغراض وأهداف قد تكون شخصية. وهذه السمات هي مشتركة بين المرسل والمستقبل، فالمرسل أصبح في الغالب أمام الضغط الجماهيري يتلقف كل معلومة أو إشاعة أو نكتة فيها سخرية من مسؤول أو أي شخص ويعمل على تسويقها ونشرها والتعليق عليها، ويحاول – في تسوله وتوسله للجماهير – أن يتقمص شخصية لا تمثله حقيقة، ويمارس «الاستظراف» و«خفة الدم»، وهذا كله في سبيل الاستحواذ على إعجاب المتابعين دون أن يكون للحقيقة أي اعتبار، والمتابع للأسف يسارع بالتعليق على كل «وسم» وكل طرح، ويظهر كل «مسؤول» أمامه على أنه «فاسد»، ويظهر كل خطأ في نظره على أنه «تقصير» دون أن يعي حقيقة الأمور، أو يكلف نفسه البحث عن الحقيقة، أو على الأقل يسعه الصمت ما دام لا يملك تلك الحقيقة. إن لهذه التشكلات الاجتماعية التي يصنعها «تويتر» وما على شاكلته من وسائل التواصل الحديثة أثرها السلبي البالغ، ممثلا في صناعة أشخاص ليسوا أكثر من «ردات فعل»، وحالهم كما يقول المثل «معهم معهم عليهم عليهم»، وتغييب استقلال الرأي وروح المبادرة، فالجميع أصبحوا معلقين ومسبحين بحمد أصحاب الوسوم والطروحات بغض النظر عما وراءها من خفايا وأغراض، فضلا عما هو أخطر وأعظم تأثيرا من ذلك من تجييش وتعبئة ضد الأفراد والمؤسسات، وتضليل الرأي العام حول الأسباب الحقيقية للظواهر والأحداث. mofleh.z@makkahnp.com