الرأي

(أرامكو السعودية) و(سابك).. التاريخ والمستقبل!

شاكر أبوطالب
«لم تعكس أي مؤسسة فلسفتي في الإدارة كما عكستها (سابك)»، هكذا ينظر الراحل غازي القصيبي في كتابه «حياة في الإدارة» إلى (سابك)، التي اختار اسمها وكتب بخط يده المسودة الأولى لنظامها، ووصفها بالابنة المفضلة والقريبة من قلبه، وبأنها تحتل موقعا خاصا لا ينافسها فيه منافس. آمن القصيبي عند تأسيس (سابك) بمبدأ المشاركة في المشاريع والأعمال لنقل التقنية والخبرة إلى المملكة العربية السعودية والنفاذ إلى الأسواق العالمية.

تأسست (سابك) على جملة من المبادئ التوجيهية، أبرزها منح الشباب السعودي الثقة وتحميله مسؤولية إدارة الشركة، والتوظيف القائم على النوع وليس الكم، وإقناع المواهب بالبقاء من خلال تصميم منظومة حوافز متسقة مع تصاعد الأداء. والعمل المؤسسي البعيد عن التفكير والتنظيم البيروقراطي، وأن تسود روح الفريق الواحد بيئة العمل.

في حوار صحفي قبل عامين تقريبا تحدث الأمير محمد بن سلمان عن التفاوض بين صندوق الاستثمارات العامة وأرامكو السعودية لشراء حصة الصندوق في (سابك)، من أجل تعزيز الخطط الاقتصادية للمملكة، وتطوير الصناعات البتروكيماوية التي سيزداد الطلب عليها مستقبلا. في نهاية الأسبوع الماضي تحقق ما وعد به ولي العهد، حيث تم الإعلان عن إكمال (أرامكو السعودية) صفقة الاستحواذ على 70% من أسهم شركة (سابك).

لقد بدأت كتابة فصل جديد في مستقبل اقتصاد المملكة، وإحداث نقلة نوعية في مجال الاستثمار في الطاقة، وتطوير صناعة النفط والغاز والبتروكيماويات، وإيجاد فرص هائلة للنمو الاقتصادي وخلق مزيد من الفرص الوظيفية.

تجمع الصفقة بين شركتين كبيرتين، (أرامكو السعودية) شركة النفط والغاز الأولى في العالم، و(سابك) ثالثة كبرى الشركات الكيماوية المتنوعة في العالم. كما تجمع هذه الصفقة مدرستين عريقتين في الإدارة والصناعة والاقتصاد، ونحو 90 ألف موظف من أصحاب الموهبة والخبرة، ونخبة من القيادة التنفيذية في الشركتين معظمهم من السعوديين.

هذه الصفقة لم تكن مفاجأة بالنظر إلى تاريخ (أرامكو السعودية) و(سابك)، فإلى ما قبل إتمام هذه الصفقة كانت العلاقة بين الشركتين قائمة على التكامل الصناعي والتعاون الوثيق والعمل عن قرب لأكثر من أربعة عقود مضت، الأمر الذي أسهم في دفع المسيرة الاقتصادية للمملكة، استنادا إلى ريادة (أرامكو السعودية) في مجال صناعة الطاقة والنفط والغاز، ومكانة (سابك) في المجالات الصناعية والفنية والتقنية.

وكانت هناك شراكة استراتيجية بين الشركتين تمثل أنموذجا للتحالفات العالمية بين كبريات الشركات البترولية والكيماوية، تجسدت في إقامة أكثر من مشاركة استثمارية ومشروع استراتيجي في السنوات القليلة الماضية، منها المشاركة مع صندوق الاستثمارات العامة في تأسيس الشركة العربية السعودية للاستثمارات الصناعية، ومشروع تحويل النفط الخام إلى كيماويات وغيرها.

واليوم وبعد إنجاز هذه الصفقة تحقق لصندوق الاستثمارات العامة جزء من التمويل المستهدف لإنجاز برامجه الاستثمارية، وتحقق لشركة (أرامكو السعودية) بلوغ رؤيتها لعام 2020 بأن تكون الشركة العالمية الرائدة والمتكاملة في صناعات الطاقة والكيماويات، وتحقق لشركة (سابك) التسريع في تحقيق رؤيتها لعام 2025 لتصبح الشركة العالمية الرائدة المفضلة في مجال الكيماويات.

والأهم من ذلك ستكون هذه الصفقة رافدا كبيرا للاقتصاد الوطني، وستعزز القدرات التنافسية للصناعات السعودية في زمن الكيانات الكبرى، وستسهم في تحقيق رؤية 2030، لتصبح المملكة أنموذجا ناجحا ورائدا في العالم على الأصعدة كافة.

shakerabutaleb@