تفاعل

الخلاف والاختلاف

عمر طيب
هذان المفهومان تشعر لوهلة أن معناهما واحد أو أن كليهما مرادف للآخر، ولكن هذا ليس صحيحا، إذ إن الفرق بينهما كالفرق بين الخير والشر، فالاختلاف محمود والخلاف مذموم.

عادة ما يكون الخلاف مرتبطا بالأشخاص ومعاداتهم أو مقاطعتهم بعكس الاختلاف الذي يكون بين وجهات النظر أو الرؤى، ولا يمس الشخصيات. الاختلاف سنة كونية، فهناك اختلاف في كل شيء، اختلاف في الجنس واللون واللغات وفي العقول والأفكار، قال تعالى «ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين». وقال «ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين».

هذه الآيات تدل على فطرية الاختلاف بين البشر، حتى صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يختلفون مع بعضهم، فعندما انصرف رسول الله من الأحزاب قال «لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة»، فأدرك بعضهم العصر، فقالوا: لا نصلي حتى نأتيها، وقال بعضهم الآخر: بل نصلي، فذكر ذلك للنبي فلم يعنف واحدا منهم. وهذا إثبات بموجودية الاختلاف وقبوله من النبي. وسيظل موجودا إلى أن تقوم الساعة.

وغني عن الذكر أن هناك مسائل قطعية لا ينبغي أن يختلف عليها أي مسلم، كالمسائل الفقهية المثبتة بالقرآن والسنة، كالصلاة والصيام والحجاب على سبيل المثال، ولاحظ هنا أني ذكرت الحجاب وليس النقاب!

أما مفهوم الخلاف فمورده ومصدره النزاعات والتشبث بالآراء ومصادرة حرية الآخر، فمن مثل هذا يولد الخلاف ومن يتبنى هذه المناهج فهو يؤيد مبدأ عدو الله فرعون حينما كان قال «ما أريكم إلا ما أرى»، كان هذا هو المنهج والمبدأ الفرعوني، مصادرة الآراء والتصدي لأي اختلاف، وبلا أدنى شك فإن ذلك يولد الحقد ويخلق الخلافات، فلا أحد يريد مصادرة رأيه أو تقييد حريته بفرض رأي آخر عليه.

وقد جاء ديننا الحنيف لإيقاف أي خلاف بين البشر وفرض القضاء والعدل لكي يقضي على هذه الخلافات بين الناس، ونهى عن بيع الرجل على بيع أخيه، كما نهى عن خطبة الرجل على خطبة أخيه، وكل فعل أو قول ينتج عنه خلاف، وذلك لصيانة المجتمع والحفاظ على الود بين الناس.

في بعض الأحيان يخلق الخلاف من الاختلاف، لكنه لا ينتمي له أبدا، إلا أن بعض عقليات البشر تترجم كل تصرف أو رأي مختلف على أنه بادرة عداوة أو خلاف معه.

لا بد أن نفهم أن لكل منا خلفيات وخبرات وثقافات مختلفة عن الآخر، وعلى ضوء تلك الخلفيات يكون الإنسان رأيه ويتخذ قراراته، لننظر إلى أصابع اليد الواحدة لا تتشابه، وهناك اختلاف فيما بينها لكنها تبقى بجانب بعضها بغير خلافات.

كذلك الإنسان يجب أن يبقى ويستمر مع من يختلف معه ولا يترجم تلك الاختلافات على أنها إعلان حالة حرب فيها خاسر ومنتصر، الاختلاف صحي جدا لأنه يوسع مدارك التفكير ويجعلك تنظر إلى الأمور من زوايا مختلفة. متى اقتنعنا بهذا وعرفنا مدى فائدة الاختلافات في المجتمع وفرقنا بين المفهومين سنرتقي وننهض ونتقدم. دعونا من اليوم فصاعدا نحارب الخلاف ونتقبل الاختلاف.