الرأي

البيئة تتحمل التكلفة

آلاء لبني
أشرت في المقال السابق إلى السياسة الانتقائية بالقضايا البيئة، وهي من تدفع الضريبة وتتحمل الأضرار. في هذا العالم ستسمع الأصوات الأكثر ضجيجا وإن كانت مخطئة! المصالح المتضاربة بين القطاعات تشل فكرة البيئة المستدامة وتقيد من حركتها.

يجري انتقاء المواضيع وتوجيه أصابع الاتهام لقضايا والتغافل عن أخرى وتدعيم ذلك بالدراسات لعوامل محددة، وبمساعدة الإعلام العالمي وفن الرسائل المباشرة وغير المباشرة تظل قطاعات وجهات بعيدة عن الأنظار.

ابحث في معظم المواقع البيئية على صفحات الانترنت لجهات بيئية أو حتى منظمات، ستجد تشابها في النصائح والتوجيهات وانتقاء قضايا معينة دون غيرها بالشرح، جهلا منها أو تجاهلا أو لأغراض لها علاقة بتمويلها.

وتغيب قطاعات رئيسية ذات تأثير كبير على صحة الإنسان واستدامة البيئة، ويركز أحيانا على مسببات ثانوية وتحميلها المسؤولية الجمة كالتركيز على مسؤولية الفرد! وذلك لتحويل دائرة الضوء. فتجد مثلا شركات المشروبات الغازية العالمية استبدلت القوارير الزجاجية بالبلاستيكية لتخفيض التكلفة وتتكلم عن مسؤولية الفرد والاستدامة!

هل سمعت بتناقص الحشرات ومخاوف العلماء من اختفائها خلال 20 سنة المقبلة؟ ما هي التأثيرات المترتبة على القطاعات الاقتصادية وارتفاع تكلفة الغذاء؟ ما هي أهمية الحشرات في النظام البيئي؟ لست مختصة بها ولكن ببساطة للحشرات دور في التنوع الحيوي وهي تفكك المواد العضوية والفضلات، وتساعد في نظافة الأرض ولها دور في تلقيح النباتات. كل نوع يملأ فجوة في النظام البيئي، والمنظومة الحيوية مترابطة ومتوازنة في السلسلة الغذائية فانقراض نوع حي سيؤثر على آخر.

علماء الطيور يخبروننا بتناقص أعداد الطيور، فعالم الطيور والحشرات متداخل بشكل كبير، فالطيور تأكل الحشرات والحشرات تأكل الحبوب، وفقدان الحبوب بفضل أنماط الزراعة الحديثة والقضاء على الأعشاب البرية واستخدام المبيدات تؤدي لقلة عدد الحشرات.

هل تعرف أهم الأخطار التي تواجهها المحيطات؟ تفريغها من مخزونها السمكي العالمي وانقراض الأسماك الكبيرة، بفضل سفن المصانع وازدياد الصيد خمسة أضعاف عن أوقات سابقة. ماذا عن آثار النقل البحري والأساطيل التجارية؟ والكوارث البيئية والتلوث بالزيت؟

ربما سمعت بقضية التصحر، وهي ببساطة فقد الأراضي المنتجة، ومنها الغابات التي تختزن الكربون وتوفر الرطوبة اللازمة للحياة، فالأشجار مسؤولة عن ثلاثة أرباع التنوع الإحيائي. ومن ذلك تحول غابات جزيرة بورنيو لمزارع إنتاج زيت النخيل، نظام الغلة الأحادية والزراعة التجارية التي ساهمت في ظهور الطفيليات التي أدت للاعتماد على المبيدات الحشرية التي تتسرب إلى المياه والحيوانات والأنهار فالمحيطات. أبيدت 20% من مساحة الغابات المطيرة في الأمازون للحصول على الأعلاف الحيوانية الرخيصة كالصويا، وتستخدم 90% منها لإطعام المواشي والدواجن.

المزارع الصناعية المكتظة برؤوس الماشية والأبقار والخنازير تنفث غاز الميثان! ويستهلك الفرد الأمريكي سنويا 90 كجم من اللحوم، فالاستهلاك المتزايد يؤدي بدوره إلى زيادة انبعاث الغازات الدفيئة! فيلزم لإنتاج كيلو جرام واحد من لحم البقر إلى 13 ألف لتر من المياه، بينما يحتاج إنتاج كيلو جرام من الأرز 4 آلاف لتر من الماء! هل ندعو للامتناع عن استهلاك اللحوم؟ بالطبع لا ولكن هناك أمر اسمه الاتزان وعدم الإسراف.

الإسراف في استخراج المعادن والمواد الخام يستنزف المياه الجوفية ويلوث الأنهار والتربة.

في المناطق الصناعية خاصة بالدول النامية تظهر أعراض أمراض التلوث. مثلا صناعة المنسوجات تلوث الأنهار بمياه المجاري العادمة، سواء بعيدا عن الأنظار أو علنا وعلى بعد بضعة أمتار تتسرب إلى حقول الأرز مواد الكروم والكاديوم والزئبق والرصاص!

الشعارات التي تقرؤها على مواقع الشركات «عبر الرقابة نتحقق من سلوك شركائنا»! تطبيقها ليس سهلا.

قد يُسأل ماذا عن معيار الجودة والاستدامة؟ موجودة وملزمة في كثير من الدول، لكن هل إصدار شهادة مستوفية الشروط أمر صعب؟ الأمر يتعلق بالأمانة التي تنافسها معايير الربح وتخفيض التكاليف أيا كان نوعها.

فيما يخص الحلول والتوعية تجدهم يركزون مثلا على مسؤولية الفرد والمستهلك ليكون صديقا للبيئة باتباع سلوك بيئي! وهو أمر لا نختلف على أهميته في تكامل الأدوار، لكن التركيز في الحملات الإعلامية للشركات والمنظمات على سلوك الفرد وترك المسؤول الأول عن كثير من الأضرار والآثار البيئية كأنشطة الشركات العالمية متعددة الجنسيات وضعف كفاءة استخدام وإدارة الموارد الطبيعية واستنزافها وتلويث الأوساط البيئية؛ يعد خللا!

الحقيقة أنه مهما تنامى تأثير ضرر الفرد على مستويات التلوث فهو لا يقارن ولن يماثل أي أضرار دافعها اقتصادي كالإنتاج الصناعي والمواد الكيماوية الخطرة واستخراج المواد الخام والتعدينية.

طمعنا نحن البشر لا حد له.

AlaLabani_1@