الرأي

التفتيت من أجل الوحدة!

سنابل موقوتة

عبدالله المزهر
استمعت - كما فعلتم - إلى التسجيل الصوتي الذي جمع الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي مع أحد المسؤولين العرب، وانتابني فضول لمعرفة بقية تسجيلاته ومع من تحدث عن أحلامه وطموحاته في تفكيك المملكة العربية السعودية.

أعلم وتعلمون يقينا أن التسجيلات المسربة، سواء هذه أو التي سبقتها مع رؤوس النظام في الشقيقة قطر، لم تكن التسجيلات الوحيدة. وتكاد تكون السعودية وإلحاق الضرر بها هي قضيته الوحيدة التي أشغلته بعد انتهائه من تأليف الكتاب الأخضر وبقية رواياته التي لم يقرأها حتى هو.

ومما جاء في تسجيله الأخير ترديده بإعجاب لفكرة يقولها على لسان آخرين «إحنا نرحب بإزالة العائلة السعودية، نرحب بتفكيك المملكة، إحنا نبغو دول صغيرة متماثلة»، وهذا أمر يدعو لقليل من التدبر والتأمل، لأنه قد يكون هذا التوجه منطقيا لو كان من أحد زعماء الرجعية كما يصف هو من لا يستسيغون فكرة الوطن العربي الواحد.

ولأنه وبغض النظر عن الأدوات الصغيرة التي كانت تناقشه في هذه الفكرة فإن صاحب الفكرة هو أكثر المخلوقات حديثا عن «الوحدة العربية» بعد رحيل قدوته جمال عبدالناصر، لم يترك محفلا ولا مؤتمرا ولا لقاء إلا وتحدث فيه عن هذه «الوحدة» ثم أتت التسجيلات لتبين أن الحلم الحقيقي هو تفتيت المتوحد أصلا. وأنه لا مشكلة لديه في مد يده لمن يسميهم الإمبريالية الأمريكية والصهيونية العالمية وللنظام الإيراني للفتك بوحدة العربية السعودية.

لا أنظر إلى هذا التسجيل بوصفه دليلا للخيانة والغدر وما شابه ذلك، فهذا أمر مفروغ منه، الذي يلفت نظري في مثل هذه التسريبات هو تأكيد فكرة أرددها كثيرا، وهي أن الشعارات الكبيرة غالبا تستخدم للتغطية على جريمة ما، وكلما سمعت زعيما مغرما بالشعارات وبالعبارات التي تثير الجماهير أدركت أنه يريد صرف الأنظار عن غاياته الحقيقية، هذا أمر يتكرر دائما، ولكن الغريب والعجيب أنه ما زال فعالا ويجذب المزيد من الأتباع وعشاق العبارات الرنانة.

الأمر الآخر الذي نفعني على المستوى الشخصي من هذه التسريبات أنني بدأت أفهم كثيرا من الإجراءات والخطوات التي قامت بها السعودية والتي لم أكن مقتنعا بها، لأنها لم تكن واضحة الأهداف بالنسبة لي. بقليل من التدبر تبدو الأمور شديدة الوضوح.

وعلى أي حال..

رحل القذافي وبقيت السعودية، وستبقى إن شاء الله، وأنا مؤمن أن الثورات لا تسقط الأنظمة إلا في الدول الفاشلة، التي لا تهتم لأمر الإنسان، والحكومات التي «أزرت في بيتها وراحت تنظف بيت الجيران» الشعب الذي يثور، سواء كان بتحريض من الخارج أو من الداخل، يفعل ذلك لأنه وصل مرحلة من اليأس وفقد الإحساس بالكرامة البشرية، الشعوب غير اليائسة والتي لا تمس كرامتها لن تثور وتغامر باستقرارها حتى لو حرضتها كل أمم الأرض ومخابراتها وجيوشها الواقعية والالكترونية.

agrni@