الرأي

حقيقة الرقم السابق!

سنابل موقوتة

عبدالله المزهر
تعرفون قصة حياته، من ألفها إلى يائها، حتى في تفاصيلها الصغيرة التي يظن حتى هو أنه لا يعرفها سواه، وأنتم لا تعرفون كل هذا عنه لأنكم قريبون منه، أو لأنه أحد أحبتكم أو حتى لأنه جاركم الذي لا تنتهي مفاوضاتكم السلمية معه من أجل موقف سيارة، أو إزعاج متبادل في أوقات لا يُحبذ فيها الإزعاج.

أنتم تعرفونه لأنه ببساطة يشبهكم، هو مثلكم في كل شيء، كانت أحلام طفولته تشبه أحلام طفولتكم، وهو مثلكم تنازل عن بعضها وحقق بعضها ورفعته الحياة وخفضته، في حياته أشخاص ليس للحياة معنى بدونهم وهو معنى الحياة لآخرين، كانت تغضبه في الغالب ذات الأشياء التي تغضبكم، ويخاف مثلكم من الأشياء التي لا يعرفها، وكانت تسعده ذات الأشياء التي تكادون تطيرون من أجلها فرحا.

بات ليالي كثيرة مهموما من أجل تفصيلة عابرة في الحياة، كما فعلتم ذات ليلة، لديه أحلام يقظة تشبه أحلامكم التي تراودكم كلما اختليتم بأنفسكم، يفكر في حياة أجمل، يتخيل أنه في وظيفة أفضل، يبتسم حين تصور له أحلام يقظته أن رصيده البنكي يختلف عما هو عليه في الواقع، بكى، وصلى، وفرح، وسمع أخبارا سعيدة، وأحزنته أخبار أخرى، قابل أشخاصا لطفاء وآخرين لا يريد أن يتذكرهم، مرت عليه لحظات حزن لا يفهمها ولا يعرف أسبابها وأخرى يفهمها جيدا ويعرف الطريق الذي سلكته لتستقر في قلبه.

نحن لا نعرف اسمه، ولم يسبق أن التقيناه في دروب الحياة، لكنه يشبهنا كثيرا. حين نشاهد الأرقام التي تعلنها وزارة الصحة يوميا تمر أمام أعيننا أرقام الوفيات، بالأمس كان الرقم ستا وثلاثين حالة وفاة واليوم سبعا وثلاثين وغدا خمسا وثلاثين، نفرح حين ينخفض الرقم ونبتئس قليلا حين يرتفع، الأمر بالنسبة لنا مجرد أرقام تتغير، نجمعها ونطرحها لنستنتج منها أرقاما أخرى، والشخص الذي أحدثكم عنه هو أحد هذه الأرقام، هو الرقم واحد أو ثمانية وعشرون أو مئتان وثلاثة عشر، ربما يكون الرقم ألفا ومئة وسبعة عشر، حين تقرأ اليوم أن عدد الوفيات زاد عن أمس رقما واحدا تبتهج لأن الرقم ليس كبيرا، لكن هذا الرقم الوحيد هو ذلك الشخص الذي نتحدث عنه.

هذه الأرقام تدل على أشخاص بعينهم، كانت لهم حياة مثل حياتنا، الرقم الذي يضاف يعني حالة من الحزن والفقد والبؤس في بيت ما، في مكان ما لا تعرفه لكنه موجود. هذا الرقم يعني أن أشخاصا فقدوا حياتهم وأشخاصا فقدوا معنى الحياة برحيل أحبتهم الذين لا نعرفهم ولا نكترث لأمرهم.

ثم أما بعد:

يا شركاء الحياة، فكروا في هذه الأرقام قليلا، وتخيلوا - كما هو واقعها - أنها تخص بشرا كانوا معنا، الأمر محزن حتى في ذلك اليوم الذي تعلن فيه وزارة الصحة أن اليوم جميل لأنه لم تسجل إلا حالة وفاة واحدة، فهذه الحالة وهذا الرقم الوحيد يخص «إنسانا» فقد حياته لأن إنسانا آخر لم يكترث، أو كان أنانيا أكثر مما تحتمل الحياة.. والسلام.

agrni@