الرأي

نعود بحذر

طلال الشريف
الخوف من وباء كورونا المستجد أمر حتمي ولا خلاف عليه إذا لم يتجاوز الحد الطبيعي ويتحول إلى فوبيا تصيب الناس بالقلق والتوتر والأمراض النفسية وحتى الجسدية، وذلك لكونه وباء وجائحة عالمية سريعة الانتشار وفق تصنيف منظمة الصحة العالمية والأطباء المتخصصين في الأوبئة، وعدم توصل الحضارة المعاصرة بعلمائها وعلومها المتطورة للعلاج المناسب للفيروس حتى الساعة.

ومنذ أعلنت الصين عن فيروس كورونا المستجد كانت حكومتنا من أسرع الحكومات تفاعلا وتأكيدا على أن سلامة المواطن في الداخل والخارج والمقيم هي عنوان المرحلة، مع تسخير كل موارد الدولة في مواجهة الوباء، وذلك باتخاذها مجموعة من الإجراءات الحاسمة في مواجهة الوباء قبل تسجيل أول حالة إصابة في 2 مارس 2020.

بدأت في 27 فبراير 2020 بتعليق الدخول لأراضيها لأغراض العمرة والزيارة والسياحة، ثم تتابعت إجراءات إدارة الأزمة واحترازاتها بكفاءة عالية حتى 17 مارس 2020 بمنع صلاة الجماعة في المساجد ما عدا الحرمين الشريفين وتعليق العمل في القطاع الخاص، وكل تلك الإجراءات وما صاحبها من شفافية إعلامية كان لها أكبر الأثر في الحد من انتشار الوباء وتطمين المواطنين والمقيمين، فضلا عما صاحبها من توعية كبيرة من مختلف القطاعات الحكومية والخاصة.

والواقع أنه مهما كانت قوة اقتصاد الدولة ومتانته فمن الصعب الصمود لفترات طويلة جدا أمام هذه الجائحة التي عطلت الحياة الاقتصادية والاجتماعية على مستوى العالم، خاصة أنها زادت من أعباء الحكومات في تحمل مزيد من النفقات للقطاع الصحي والقطاعات الحكومية والخاصة الأخرى التي تضررت نتيجة لإيقاف نشاطاتها، إلا أن المملكة استطاعت الصمود لأشهر عديدة بتوفير كل الاحتياجات والمستلزمات الحياتية دون أن يشعر المواطن والمقيم بأي نقص في حاجياته ومتطلبات معيشته ومستوى خدماته الصحية.

وبعد مضي أكثر من ثلاثة أشهر ونصف الشهر أعلنت الحكومة عن عودة الحياة بشكل تدريجي ابتداء من 31 مايو 2020، وتعود لكامل طبيعتها ابتداء من 20 يونيو 2020 في رهان على وعي المواطن والمقيم للالتزام بالاحترازات الضرورية في الأماكن العامة وأماكن العمل.

ظهرت بعض الأصوات التي تنادي بإعادة المنع الكلي بسبب ارتفاع حالات الإصابة اليومية، خاصة الحرجة منها، وهو أمر غاية في الصعوبة لأسباب كثيرة، منها توقف القطاعات الإنتاجية عن الإنتاج، وتوقف حركة الاستيراد والتصدير الطبيعية، وفقدان كثير من المواطنين في القطاع الخاص وظائفهم ودخولهم الشهرية، وصعوبة وفاء الحكومة والتزامها بنفقاتها الشهرية، وانهيار القطاع الخاص وبالذات المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وعجز القطاع الثالث الخيري عن تقديم الدعم والمساندة للمحتاجين، فضلا عن التأثيرات النفسية والاجتماعية الكبرى التي خلفتها الجائحة على البنية الاجتماعية والأسرية، وكل ذلك سيؤدي إلى الانهيار الكلي للاقتصاد الوطني في بعديه الرئيسيين البشري والمادي.

ولذا فإن عودة الحياة الطبيعية كما كانت قبل انتشار الوباء ضرورة اقتصادية واجتماعية ونفسية ستمكننا من الحد من آثار الأزمة ومواجهتها بأقل الأضرار والتكاليف، وانتعاش الاقتصاد بشكل تدريجي والتعايش مع الوباء ومخاطرة والتقيد بالاحترازات الوقائية.

وأعتقد أن هناك مجموعة من القناعات والسلوكيات التي تساعدنا على التعايش مع الوباء بأريحية، فأهم القناعات الثقة بالله والتوكل عليه واليقين بأنه لن يصيبنا إلا ما كتبه الله لنا، وأنه وباء كأي وباء مرت به البشرية وسيزول في وقت ما، وأنه ليس وباء قاتلا بنسبة 100%، ونسب الشفاء منه عالية جدا وربما يصاب به كثيرون ويشفون منه دون ظهور أي أعراض، وأن طرق انتقال الفيروس معروفة ويمكن حماية أنفسنا منها بسهولة، وأنه ليس إشعاعا فيروسيا مرعبا ينتقل في الفضاء العام ويصيب الجميع، وأن الوصول لعلاجه سيحدث في ظل التطور العلمي والطبي.

وأما السلوكيات الضرورية للتعايش مع الوباء فأهمها البعد قدر الإمكان عن متابعة أخبار وتقارير فيروس كورونا داخل الوطن وخارجه، وتطبيق التباعد الاجتماعي في الأماكن العامة وأماكن العمل وحضور المناسبات دون حساسية من الآخر، والتعود على استخدام الكمامات وتعقيم اليدين باستمرار، والحد من حضور المناسبات غير الضرورية، والعناية بالتغذية التي ترفع مستوى المناعة وممارسة الرياضة بانتظام.

لقد عانينا في الأشهر الماضية على المستوى الفردي نفسيا واجتماعيا واقتصاديا، حتى وصلنا لمرحلة التغني بحياتنا السابقة قبل ظهور كورونا المستجد، وآن الأوان لتحمل مسؤولياتنا الفردية في عودة حياتنا الاقتصادية والاجتماعية تحت شعار (نعود بحذر) والتعاون مع قيادتنا وأجهزتنا الحكومية للحفاظ على مكتسباتنا الوطنية خاصة تلك التي تحققت منذ بداية تنفيذ رؤيتنا 2030.

drAlshreefTalal@