التدبير خير من التنظير
الثلاثاء / 17 / شوال / 1441 هـ - 20:00 - الثلاثاء 9 يونيو 2020 20:00
يقول الجاحظ عن العرب ما معناه: إنهم لا يعرفون الادخار وإنهم أبناء ساعتهم فإذا أمرعوا أسرفوا في البذل والإنفاق، وإذا شحت عليهم السماء ضجروا من الشدة والجوع.
ونحن في الخليج أبناء أولئك الذين وصفهم الجاحظ في الزمان الأول، وقد أمرعت مرابعنا منذ أول نطفة خرجت من الزيت، وتدفقت في أرضنا المباركة بفضل الله علينا ومعرفة وعلوم قوم غيرنا، فنعمنا بالخير الوفير الذي كان لنا غيثا كما كانت السماء تمطر الغيث على أجدادنا، وبذلنا وزدنا في البذل، وأنفقنا وزدنا في النفقة.
واستمررنا على الإنفاق والبذل مما أفاء الله علينا، حتى فتحت شهية البذل والإنفاق الرغبة في التكاثر والامتلاك والتفاخر بما نملك مما تجود به مصانع العالم وتدفعه إلينا.
وأصابنا حب الاستهلاك واعتدنا عليه، وأصبح التوسع في الامتلاك لما لا نحتاج إليه وما ليس من ضرورات الحياة ولا من لوازمها عادة ترسخت في طبيعة الأجيال المعاصرة، وسلوكا لم يستطع كثيرون منهم التوقف عنه ولا الامتناع منه، وطبقوا المثل الشعبي «أنفق ما في الجيب يأتك ما في الغيب»، هذه العادة غير الحميدة والبذل في غير موضعه وفي غير حاجة إليه جعلتنا لم نعد نحتمل الشح ونتكيف معه كما كان أسلافنا يتحملون ويتكيفون من قبل، وإذا حدث شيء من الشح جزعنا ولم نستطع تحمل الصدمات التي قد تأتي بين فينة وأخرى، وعندما يحدث شيء من النقص أو الطوارئ كما هو حادث هذه الأيام يكون الجزع شديدا والتحمل قليلا.
في الأسابيع الماضية واجهنا وزير المالية بوصف ما نحن فيه وما نواجه من أزمة مالية قاسية ليست علينا فحسب ولكنها على العالم كله، ونحن جزء منه، وكان الوزير قد بين لنا المخاطر التي تنتظر الاقتصاد وأن آخر الطب الكي، والكي عنده هو النظر والتدبير، ومن النظر والتدبير الذي لا بد منه رفع القيمة المضافة وما سوف يتلوها من تدابير أخرى، لا نستطيع أن نتنبأ بها في المستقبل، ولا ندري كيف تكون، ولا أريد الحديث عما تفعله وزارة المالية ولا تدبيرها فذلك شأنها، ولكنني أحمد للوزير صراحته ووضوحه وبيان ما عنده حتى نكون على علم بما يمكن أن يحدث.
والحديث سيكون عن تدابيرنا نحن المواطنين، وكل على نفسه بصيرة، ومن البصيرة حسن التدبير لمواردنا أفرادا، وضبط حاجاتنا الضرورية وأولوياتنا في الإنفاق لما نحتاج ولما لا بد منه، والتخفيف من الإنفاق المعهود على غير الضروريات.
والاستغناء عن الكماليات التي تعودنا عليها وألفها الناس في حال السعة والوفرة، هذه الكماليات التي لا تدعو الضرورة لها، وهي في حقيقتها هدر بلا وعي لدخل الأفراد وضرر على الاقتصاد للفرد وللمجتمع، ومع ذلك فعسى أن تكون هذه الأزمة التي تمر بها دول الخليج خاصة والعالم عامة سببا في التخلي عن الإنفاق والهدر الذي أحدثته الطفرة في العقود الماضية والوفرة التي أصبحت في أيدي الناس، فأغرت كثيرا منهم بالصرف في أشياء لا يلزم منها غير عادة الإنفاق والاطمئنان إلى استمرار التدفقات المالية في أيدي القادرين.
وحتى يعي الجميع الدرس الذي نمر به ويمر به العالم يجب أن يكون للادخار نصيب مما يحصلون عليه من مال، وأن نتعود عادة الادخار بدل عادة الاستهلاك، ونأخذ بقول الحكيم الذي وصف لنا صفة متميزة في طرق الكسب المشروع وحسن التنمية والتدبير فقال ونحن معه نقول:
وتدبير القليل يزيد فيه
ولا يغني الكثير مع الفساد.
ومن حسن التدبير أن يفكر الإنسان طويلا في دخله ويضع بنودا لما يجب صرفه، ويمنع نفسه عما لا يحتاج إليه حتى وإن طمحت إليه، أو أجبرته عادته على اقتناء بعض ما يود أن يقتنيه، وحتى لو استطاع اليوم فقد لا يكون ذلك في استطاعته غدا.
Mtenback@
ونحن في الخليج أبناء أولئك الذين وصفهم الجاحظ في الزمان الأول، وقد أمرعت مرابعنا منذ أول نطفة خرجت من الزيت، وتدفقت في أرضنا المباركة بفضل الله علينا ومعرفة وعلوم قوم غيرنا، فنعمنا بالخير الوفير الذي كان لنا غيثا كما كانت السماء تمطر الغيث على أجدادنا، وبذلنا وزدنا في البذل، وأنفقنا وزدنا في النفقة.
واستمررنا على الإنفاق والبذل مما أفاء الله علينا، حتى فتحت شهية البذل والإنفاق الرغبة في التكاثر والامتلاك والتفاخر بما نملك مما تجود به مصانع العالم وتدفعه إلينا.
وأصابنا حب الاستهلاك واعتدنا عليه، وأصبح التوسع في الامتلاك لما لا نحتاج إليه وما ليس من ضرورات الحياة ولا من لوازمها عادة ترسخت في طبيعة الأجيال المعاصرة، وسلوكا لم يستطع كثيرون منهم التوقف عنه ولا الامتناع منه، وطبقوا المثل الشعبي «أنفق ما في الجيب يأتك ما في الغيب»، هذه العادة غير الحميدة والبذل في غير موضعه وفي غير حاجة إليه جعلتنا لم نعد نحتمل الشح ونتكيف معه كما كان أسلافنا يتحملون ويتكيفون من قبل، وإذا حدث شيء من الشح جزعنا ولم نستطع تحمل الصدمات التي قد تأتي بين فينة وأخرى، وعندما يحدث شيء من النقص أو الطوارئ كما هو حادث هذه الأيام يكون الجزع شديدا والتحمل قليلا.
في الأسابيع الماضية واجهنا وزير المالية بوصف ما نحن فيه وما نواجه من أزمة مالية قاسية ليست علينا فحسب ولكنها على العالم كله، ونحن جزء منه، وكان الوزير قد بين لنا المخاطر التي تنتظر الاقتصاد وأن آخر الطب الكي، والكي عنده هو النظر والتدبير، ومن النظر والتدبير الذي لا بد منه رفع القيمة المضافة وما سوف يتلوها من تدابير أخرى، لا نستطيع أن نتنبأ بها في المستقبل، ولا ندري كيف تكون، ولا أريد الحديث عما تفعله وزارة المالية ولا تدبيرها فذلك شأنها، ولكنني أحمد للوزير صراحته ووضوحه وبيان ما عنده حتى نكون على علم بما يمكن أن يحدث.
والحديث سيكون عن تدابيرنا نحن المواطنين، وكل على نفسه بصيرة، ومن البصيرة حسن التدبير لمواردنا أفرادا، وضبط حاجاتنا الضرورية وأولوياتنا في الإنفاق لما نحتاج ولما لا بد منه، والتخفيف من الإنفاق المعهود على غير الضروريات.
والاستغناء عن الكماليات التي تعودنا عليها وألفها الناس في حال السعة والوفرة، هذه الكماليات التي لا تدعو الضرورة لها، وهي في حقيقتها هدر بلا وعي لدخل الأفراد وضرر على الاقتصاد للفرد وللمجتمع، ومع ذلك فعسى أن تكون هذه الأزمة التي تمر بها دول الخليج خاصة والعالم عامة سببا في التخلي عن الإنفاق والهدر الذي أحدثته الطفرة في العقود الماضية والوفرة التي أصبحت في أيدي الناس، فأغرت كثيرا منهم بالصرف في أشياء لا يلزم منها غير عادة الإنفاق والاطمئنان إلى استمرار التدفقات المالية في أيدي القادرين.
وحتى يعي الجميع الدرس الذي نمر به ويمر به العالم يجب أن يكون للادخار نصيب مما يحصلون عليه من مال، وأن نتعود عادة الادخار بدل عادة الاستهلاك، ونأخذ بقول الحكيم الذي وصف لنا صفة متميزة في طرق الكسب المشروع وحسن التنمية والتدبير فقال ونحن معه نقول:
وتدبير القليل يزيد فيه
ولا يغني الكثير مع الفساد.
ومن حسن التدبير أن يفكر الإنسان طويلا في دخله ويضع بنودا لما يجب صرفه، ويمنع نفسه عما لا يحتاج إليه حتى وإن طمحت إليه، أو أجبرته عادته على اقتناء بعض ما يود أن يقتنيه، وحتى لو استطاع اليوم فقد لا يكون ذلك في استطاعته غدا.
Mtenback@