الأغبياء لا يتدبرون!
سنابل موقوتة
الاثنين / 16 / شوال / 1441 هـ - 22:00 - الاثنين 8 يونيو 2020 22:00
فلنحاول أن نتفق ابتداء على أن العنصري غبي بالضرورة، والغباء آفة أكبر من العنصرية، فالغبي يكون عنصريا ويكون أشياء أخرى لا تقل سوءا. أما العنصري فهو مجرد إنسان غبي لا أكثر.
صحيح أن خلقا كثيرا لا يجدون هذا منصفا، ويجدون للعنصرية مبررات ومسكنات ترتاح بها ضمائرهم، لكني أظن أن هذه الفئة ليسوا أكثر من أغبياء متحاذقين.
ثم لنحاول مرة أخرى أن نتفق على تعريف محدد للعنصرية، والذي أظن أنه اعتقاد فئة من الخلق أنها أفضل من فئة أخرى لمجرد اختلاف ألوانها وأعراقها. وهذه الأفضلية التي تدخل في دائرة العنصرية هي الأفضلية المتوهمة من أجل أمر لا يمكن تغييره ولا يد ولا فضل للعنصري فيه. فلا الأسود كان أسود باختياره ورغبته واجتهاده وعمله، ولا الأحمر كذلك. ولا العربي كان عربيا لأنه فعل أمرا لم يستطع الأعجمي فعله. وهذا يوضح ارتباط الغباء بالعنصرية، الاعتقاد بالأفضلية التي ليست نتيجة عمل ولا اختيار هو واحد من أمثلة الغباء البشري الواضحة التي لا لبس فيها.
هتلر حين أراد أن يحتل العالم وتسبب في أكثر الحروب بشاعة في التاريخ كان ينطلق من فكرة عنصرية أصبحت عقيدة، وكل حرب واقتتال بين البشر لا يخلوان من هذه الفكرة بشكل أو بآخر.
ودعونا مرة ثالثة نحاول الاتفاق مجددا على أن الأنظمة في جل العالم ليس فيها تمييز على أساس عرقي، ولا عنصرية قانونية. وأن المشكلة في الأساس مشكلة مجتمعية. لا تجرؤ دولة في هذا الكوكب أن تضع قوانين عنصرية تميز بين مواطنيها على أساس ألوانهم. لكن هذا لم يمنع ولا يتعارض مع حقيقة أن العنصرية «باقية وتتمدد».
والبعض عن عمد أو عن جهل أو عن غباء يظن أن معرفة الأنساب والافتخار بأصوله مدخل يمكن من خلاله احتقار الآخرين لمجرد أنهم لا يشبهونه في هذا الأمر الذي لا ناقة له فيه ولا جمل، ولكنه مع ذلك يبدو مؤمنا بنظرية قارون «إنما أُوتيته على علم عندي». ولو استمر العنصري في سرد أجداده الأولين دون توقف سيجد أنه ومن يحتقره سيجتمعون حتما في جد ما، فالبيض والسود والهنود والتتار والأفارقة والعرب والعجم وكل البشر هم أبناء الجد الأول آدم، وهذه معضلة العنصري التي لم يجد لها مخرجا.
وفي هذه الهوجة العالمية ضد العنصرية التي انطلقت من أمريكا وبدأت تنتشر في كل أرجاء المعمورة للتعاطف مع الأمريكي الذي قتله أمريكي آخر، فإنه من المهم أن ننظر إلى أنفسنا في المرآة كثيرا، ونحدق في أنفسنا بتمعن قبل أن ندلي بآرائنا حول عنصرية أمريكا، والاضطهاد الذي يمارسه البيض ضد الملونين في تلك القارة البعيدة.
لنكن أكثر وضوحا ولنتذكر - على سبيل المثال لا الحصر - من تكلم قبل أيام عن جمال فتيات بعض القبائل وقامت الدنيا ضده ولم تسترح، ولنتخيل أنه تحدث عن جمال فتيات لا ينتمين إلى قبيلة بعينها، فلنقل مثلا إنه قال «الفتيات السعوديات ذوات الأصول الطاجكية لهن جمال أوروبي». هل تعتقدون أن أحدا سيغضبه الأمر؟ أو لنتخيل أنه قال «إن الفتيات السمراوات لهن ملامح أفريقية فاتنة»، هل تعتقدون أنه سيصبح هاشتاقا تذروه الرياح؟!
حين تتخيل الأمر وتفكر فيه بينك وبين نفسك يمكنك بعدها تحديد موقفك من قضية جورج فلويد، ومد يد العون لأمريكا ومساعدتها بأفكارك النيرة في التخلص من عنصريتها.
وعلى أي حال..
خلق الله آيات للتدبر، والاختلاف أية من آيات الله وليست بطاقة أفضلية، لكن الأغبياء لا يتدبرون. (ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين).
agrni@
صحيح أن خلقا كثيرا لا يجدون هذا منصفا، ويجدون للعنصرية مبررات ومسكنات ترتاح بها ضمائرهم، لكني أظن أن هذه الفئة ليسوا أكثر من أغبياء متحاذقين.
ثم لنحاول مرة أخرى أن نتفق على تعريف محدد للعنصرية، والذي أظن أنه اعتقاد فئة من الخلق أنها أفضل من فئة أخرى لمجرد اختلاف ألوانها وأعراقها. وهذه الأفضلية التي تدخل في دائرة العنصرية هي الأفضلية المتوهمة من أجل أمر لا يمكن تغييره ولا يد ولا فضل للعنصري فيه. فلا الأسود كان أسود باختياره ورغبته واجتهاده وعمله، ولا الأحمر كذلك. ولا العربي كان عربيا لأنه فعل أمرا لم يستطع الأعجمي فعله. وهذا يوضح ارتباط الغباء بالعنصرية، الاعتقاد بالأفضلية التي ليست نتيجة عمل ولا اختيار هو واحد من أمثلة الغباء البشري الواضحة التي لا لبس فيها.
هتلر حين أراد أن يحتل العالم وتسبب في أكثر الحروب بشاعة في التاريخ كان ينطلق من فكرة عنصرية أصبحت عقيدة، وكل حرب واقتتال بين البشر لا يخلوان من هذه الفكرة بشكل أو بآخر.
ودعونا مرة ثالثة نحاول الاتفاق مجددا على أن الأنظمة في جل العالم ليس فيها تمييز على أساس عرقي، ولا عنصرية قانونية. وأن المشكلة في الأساس مشكلة مجتمعية. لا تجرؤ دولة في هذا الكوكب أن تضع قوانين عنصرية تميز بين مواطنيها على أساس ألوانهم. لكن هذا لم يمنع ولا يتعارض مع حقيقة أن العنصرية «باقية وتتمدد».
والبعض عن عمد أو عن جهل أو عن غباء يظن أن معرفة الأنساب والافتخار بأصوله مدخل يمكن من خلاله احتقار الآخرين لمجرد أنهم لا يشبهونه في هذا الأمر الذي لا ناقة له فيه ولا جمل، ولكنه مع ذلك يبدو مؤمنا بنظرية قارون «إنما أُوتيته على علم عندي». ولو استمر العنصري في سرد أجداده الأولين دون توقف سيجد أنه ومن يحتقره سيجتمعون حتما في جد ما، فالبيض والسود والهنود والتتار والأفارقة والعرب والعجم وكل البشر هم أبناء الجد الأول آدم، وهذه معضلة العنصري التي لم يجد لها مخرجا.
وفي هذه الهوجة العالمية ضد العنصرية التي انطلقت من أمريكا وبدأت تنتشر في كل أرجاء المعمورة للتعاطف مع الأمريكي الذي قتله أمريكي آخر، فإنه من المهم أن ننظر إلى أنفسنا في المرآة كثيرا، ونحدق في أنفسنا بتمعن قبل أن ندلي بآرائنا حول عنصرية أمريكا، والاضطهاد الذي يمارسه البيض ضد الملونين في تلك القارة البعيدة.
لنكن أكثر وضوحا ولنتذكر - على سبيل المثال لا الحصر - من تكلم قبل أيام عن جمال فتيات بعض القبائل وقامت الدنيا ضده ولم تسترح، ولنتخيل أنه تحدث عن جمال فتيات لا ينتمين إلى قبيلة بعينها، فلنقل مثلا إنه قال «الفتيات السعوديات ذوات الأصول الطاجكية لهن جمال أوروبي». هل تعتقدون أن أحدا سيغضبه الأمر؟ أو لنتخيل أنه قال «إن الفتيات السمراوات لهن ملامح أفريقية فاتنة»، هل تعتقدون أنه سيصبح هاشتاقا تذروه الرياح؟!
حين تتخيل الأمر وتفكر فيه بينك وبين نفسك يمكنك بعدها تحديد موقفك من قضية جورج فلويد، ومد يد العون لأمريكا ومساعدتها بأفكارك النيرة في التخلص من عنصريتها.
وعلى أي حال..
خلق الله آيات للتدبر، والاختلاف أية من آيات الله وليست بطاقة أفضلية، لكن الأغبياء لا يتدبرون. (ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين).
agrni@