الرأي

هدنة الـ «لا يعني»!

سنابل موقوتة

عبدالله المزهر
ثم إني اكتشفت أنه «لا شيء يعجبني» وإني على مذهب محمود درويش في هذا الأمر، فحين بدأ الحظر وأصبحت ملزما بالبقاء في المنزل كنت أتخيل الأيام التي أكره الذهاب فيها إلى العمل، وأستسخف مشاعري القديمة وأتذكر كيف كنت أقوم متثاقلا كل صباح وأشتم نفسي، ثم إني حين مضت أسابيع من الحجر شعرت أني سأكون ممتنا حين يعود العمل حتى لو بقيت أعمل أربعا وعشرين ساعة متواصلة.

وحين أُعلنت إجراءات تخفيف الحجر وأن الموظفين سيعودون بدأت أسمع صوت نفسي الأمارة بالكسل تقول لي: لو أن الأمر امتد شهرا إضافيا لكان الوضع أفضل. شعرت أني أحببت حياتي الجديدة ولا أريد أن أتخلى عنها، وأن العودة للذهاب إلى العمل كل يوم ستفسد عاداتي الجديدة التي تآلفت معها إلى درجة أني نسيت العادات القديمة.

في اليوم الأول لتخفيف القيود وقبل العودة للعمل شاهدت الناس ينفرون خفافا وثقالا إلى الشوارع والطرقات ويتزاحمون على دكاكين الطعام، وشاهدت مقاطع لمن يلتقي بصحن الفول ورغيف التميس وكأنه التقى حبيبته التي ظن أنها فارقت الحياة. وفي المشاهد الأولى لليوم الأول كان الوضع محبطا لمن التزم كثيرا بالإجراءات، شعرت أن الفيروس نفسه سيهرب من الشوارع والمطاعم ويلجأ للمنازل خوفا من الهجوم غير المتوقع من الناس.

وهذه المرحلة التي يمكن تسميتها بمرحلة «هذا لا يعني»، لأن هذه العبارة هي أكثر عبارة تم ترديدها في الأسبوع المنصرم، كان الجميع يقول للجميع بأن الحرب لم تنته ولم ننتصر بعد، وأن التخفيف هو بمثابة هدنة مع عدو ليس من طباعه التهادن مع أحد.

المشكلة أن الأمر بدا وكأن الناس بدوا مقتنعين بأن توجيه النصائح أمر يغني عن الالتزام بها. فالكل مستاء من تراخي الآخرين في الالتزام بالإجراءات الاحترازية، لكن الكل أيضا يجد أن تساهله هو أمر مبرر، وأن أعذاره لا تخلو من الوجاهة على عكس الآخرين الذين لا يعون خطورة تصرفاتهم.

في الحياة الجديدة بدا وكأن الناس يعيشون سيناريوهات مسلسل ساخر، زملاء عمل يجتمعون ويأكلون سوية ويخرجون للتدخين ثم تحين الصلاة يلتزمون بمسافة مترين، وقد عزوت هذا الأمر إلى أن البعض ربما مقتنع بأن الفيروس يحب أماكن الصلاة أكثر مما يحب غرف التدخين.

كان الإمام يوصي الناس بعد الإقامة أن يسدوا الفرج لكيلا يفسحوا للشيطان مجالا للدخول بينهم، اليوم بدا أنه لا حرج أن يقول: استووا واعتدلوا واجعلوا بينكم شيطانين أو ثلاثة على أقل تقدير.

وعلى أي حال..

لا أعلم هل سينتهي الأمر أم إننا سنعتاد عليه وتصبح عادات اليوم عبادات الغد؟ هل سيتخلى البشر يوما عن الكمامات أم إنه سيأتي على الناس وقت يعتبر فيه من لا يلبس الكمامة عاريا؟ ويصبح لكل أمة كمامها وطريقتها الخاصة في لبسه.

أشياء كثيرة لا أعلمها، وأسئلة كثيرة زرعها في رأسي هذا الفيروس وطريقة التعامل معه، سواء من الناس وحتى الحكومات والمنظمات الدولية. لست مهتما بمعرفة الإجابات لكني حريص على النجاة وحسب، لأسباب لا أعلمها هي الأخرى.

agrni@