الرأي

تلك هي رؤيتنا

عبدالله الزير
في الربع الأول من عام 2020، تعطلت أشكال الحياة على كوكب الأرض.

فقد أعلنت اتحادات العالم حالة الاستنفار، فألغيت الرحلات الدولية، وشُرّعت التنظيمات الوقائية، فتوقف الأطفال عن الذهاب للمدارس، وخسر أصحاب التجارة والوظائف الكثير من مقدراتهم.

فتلاشى هدير محركات السيارات وانطفأت أضواء مقاهي المساء من المشهد.

وخيم على وجه الحياة وجوم كئيب إثر انتشار وباء فيروسي ابتدأ من أقصى الأرض لينتشر في كل أصقاعها.

فتعلمنا - مرغمين - في فترات العزل حياة كاملة في الإدارة.

تعلمنا أن قيمة العمل تكون بحجم الإنجاز لا بالوقت، وأن أعظم الإنجازات - أحيانا - هو أن تبقى على قيد الحياة.

تلك فترة أرخينا فيها أسماعنا ونواظرنا لشاشة التلفاز، فعاد التلفاز لمكانه الطبيعي عضوا فاعلا في غرفة المعيشة.

فعرفنا الكثير عن ماضينا الذي حسبنا أننا علمنا عنه كل شيء.

«من الصفر»، «الليوان»، وحكايات نجاح لعظماء فنوا في بناء مستقبل لم يعيشوه، وقصص كفاح لأناس آخرين سيخلدهم تاريخ من سيأتون بعدهم.

وشعرنا بالفخر لجهود قادة أرض طيبة تعاملوا بروية وحكمة تجاه الكارثة.

لا أعرف كم مضى ونحن على هذه الحال، فقد فقدنا تقريبا كل إحساس بالزمن، إلا أنني أعرف أن كل تلك المعاناة لم تضع سدى، فلقد أثبتنا لأنفسنا قبل العالم أننا لم نعد شعبا مرفها ولد وفي فمه ملعقة الذهب.

وحتى ونحن ما زلنا في بداية الطريق، فقد أدركنا أن كل ما بنيناه من تقنيات فنية وطاقات بشرية حتى الآن، قد انعكس اليوم واقعا كان سيكون أكثر سوداوية لو تأخرنا قليلا، وبأن الطريق أمامنا ما زال شاقا طويلا.

فإن فنينا فهذه كانت حكايتنا، وتلك كانت أحلامنا.

وإن كتب الله لنا حياة جديدة بانتهاء الجائحة، فلعلنا نتذكر دائما ألا نشتري بمال ليس لنا، وألا نجري وراء كماليات ننسى أسباب اقتنائها لحظة دفع قيمتها.

وأن النصر في الصبر على البلاء، وأن الحكمة في التروّي عند اتخاذ القرار.

وأنه كلما أخذتنا لحظة ملل أو ضعف، سنفتح جرح الذاكرة، ونتلمس آلام الجسد لنتذكر بأن الحياة والحب هما أعز ما نملك.

وأن ما نقوم به اليوم، هو دَيْن علينا من أسلافنا، وواجب علينا تجاه جيل لم ير النور بعد. هذه رسالتنا، وتلك هي رؤيتنا.