أخبار للموقع

علماء الآثار يبحثون مصير المملكتين الدادانية واللحيانية

جانب من الآثار المكتشفة (مكة)
اجتمعت أخيرا البعثات الأثرية الأكبر على مستوى المنطقة لبحث التساؤلات المطروحة حول مصير المملكتين الدادانية واللحيانية التي سبقت النبطية.

يتكون فريق متعدد الجنسيات مشكل من أكثر من 80 فردا من متخصصين في مختلف مجالات علم الآثار، سيستكشف ويدرس المقابر والهياكل الأثرية التي تم اكتشافها أخيرا.

تأتي البعثة الأثرية كجزء من رؤية الهيئة الملكية لمحافظة العلا الرامية لترسيخ مكانة المدينة كمتحف حي ومحفل أثري للتاريخ العربي والعالمي.

لطالما أبقى تراث المملكة الدادانية القديمة أسرارها في بئر لآلاف السنين. وتقع المملكة خلف آثار الأسد الشامخة وسط جبال الحجر الرملي في العلا شمال غرب السعودية، وكانت فيما مضى تسيطر على مفترق طرق البحر الأحمر التجاري القديم، بدءا من اليمن ومرورا بشبه الجزيرة العربية إلى مصر وبلاد الرافدين ووصولا إلى القارة الآسيوية، ومع ذلك بقي مصيرها لغزا غامضا لعلماء الآثار.

وتوشك إحدى أكبر البعثات الأثرية متعددة الجنسيات على مستوى السعودية على اكتشاف هذه الحلقة المفقودة في تاريخ الشرق الأدنى، وذلك بفضل الشراكة بين الهيئة الملكية لمحافظة العلا وجامعة الملك سعود والوكالة الفرنسية لتطوير محافظة العلا والمركز الفرنسي الوطني للبحث العلمي.

وفي معرض تعليقه على البعثة، قال الدكتور عبد الرحمن السحيباني من فريق المتاحف والمعارض في الهيئة الملكية لمحافظة العلا، والمشرف المشارك على المشروع إلى جانب جيروم رومر من المركز الفرنسي الوطني للبحث العلمي، 'تجسد معرفة تاريخ وسبب نهاية مملكة دادان إحدى النقاط الرئيسية التي نأمل معرفتها، حيث اعتمدنا حتى الآن تاريخ نهاية دادان في نهاية القرن السادس قبل الميلاد تقريبا دون وجود أي أدلة قوية تدعم ذلك، ويمكننا فقط تخمين الأسباب التي تقف خلف هجرة هذه الحضارة من المنطقة. كما نطمح لمعرفة المزيد عن العلاقة التي كانت تربط بين الدادانيين واللحيانيين، وهي مملكة عربية أخرى من المنطقة، وعلاقتهم مع الأنباط الذين وصلوا من الشمال لاحقا'.

إن الثقافة الدادانية واللحيانية تسبق وجود الحضارة النبطية والوجود الروماني في شبه الجزيرة العربية، وتؤكد عمق التاريخ الموجود في المنطقة، ومن المتوقع لأعمال التنقيب التي ستستمر خمس سنوات أن توضح مصير المملكة وتاريخها العائد إلى أكثر من 2700 سنة مضت، بالإضافة إلى تسليط الضوء على دورها الأساسي في الطرق الداخلية للتجارة القديمة، حيث شهدت منطقة العلا تطور عدد من الحضارات القديمة الأخرى أيضا.

ومن المقرر أن تستمر حملة التنقيب حتى 2024، حيث ستستمر أعمال التنقيب لمدة شهرين سنويا، تتبعها جلسات تحليل ودراسة للاكتشافات الجديدة. واستنادا إلى نتائج حملة التنقيب التي بدأتها جامعة الملك سعود منذ 2004، ستركز حملات التنقيب الجديدة على أربعة مناطق رئيسية: القلعة الإسلامية بالقرب من مملكة دادان، من الواضح أن الدادانيين أعادوا بناءها عندما استوطنوا المنطقة، لمعرفة وظيفتها الحقيقية وتواريخ عملها، والمعبد الداداني الذي كشف عنه للحصول على تسلسل زمني صحيح ومعرفة طبقات البناء (علم الطبقات)، وستجرى المزيد من أعمال التنقيب في مبنى كبير اكتشف أخيرا جنوب المعبد الداداني لتحديد غرض وتاريخ بنائه، وأخيرا، ستجرى حملات تنقيب أوسع في مقابر دادان لمساعدة علماء الآثار على اكتساب فهم أفضل للممارسات الجنائزية الدادانية.

وفضلا عن أهدافه البحثية الأساسية، يوفر المشروع فرصة للطلاب من جامعة الملك سعود لاكتساب خبرة عملية من الخبراء الدوليين والسعوديين في الفريق، حيث سيعمل 24 طالبا إلى جانب أقرانهم الدوليين، مما سيتيح لهم فرصة لاكتساب الخبرات وتطوير قطاع التراث الثقافي المحلي.

لم يتمكن إلا عدد قليل من الزوار العالميين من زيارة الموقع الفريد الواقع على بعد أربع ساعات إلى شمال شرق المدينة المنورة، حتى أصدر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان وولي العهد الأمير محمد بن سلمان، رئيس مجلس إدارة الهيئة الملكية لمحافظة العلا، القرار الذي ينص على فتح أبواب السعودية أمام الزوار العالميين، تماشيا مع خطط رؤية 2030 في تطوير قطاع السياحة. ومن ذلك الحين تعمل الهيئة الملكية لمحافظة العلا على اكتشاف تاريخ الموقع، وذلك في إطار الخطة الرئيسية الأولى الهادفة للارتقاء بمكانة محافظة العُلا كأول متحف حي على مستوى العالم. كما تضمن المبادئ الاستراتيجية الـ12 المستمدة من خطة إطار عمل الهيئة وميثاقها الحفاظ على تنمية المنطقة المستدامة، بما في ذلك حماية المواقع الثقافية والتراثية ذات الأهمية الوطنية في محافظة العُلا.

وتجدر الإشارة إلى أنه تم عرض القطع الأثرية العائدة إلى مملكتي دادان ولحيان أخيرا في معرض العلا، واحة العجائب في الجزيرة العربية في معهد العالم العربي في باريس. سيتمكن خبراء المتاحف والمعارض من تفسير أهمية هذه القطع الأثرية والبدء بعرضها في المعارض من خلال التنسيق والعمل مع علماء الآثار أثناء اكتشافهم لقطع أثرية جديدة.