العقل الأكاديمي تنويري لا أداتي!
السبت / 16 / رمضان / 1441 هـ - 21:30 - السبت 9 مايو 2020 21:30
في مجتمع العقول الأداتية يعمل الموظف كما لو كان ترسا في آلة، لها نظام ثابت تسير عليه، وهذا الموظف يؤدي مهام محددة له ضمن نمط أو نسق معين، وليس له أكثر من ذلك، وتبقى طموحاته العظمى أن يصبح يوما ما ترسا كبيرا كي يقوم بمهام أكبر في عمل الآلة التي ينتمي لها أو ينتظم بنظامها، والتنميط للأداء بهذا الشكل علاوة على أنه ينحّي القيم والأخلاق جانبا، هو في الوقت نفسه يحجّم دور الابتكار والإبداع الإنساني، وربما استبعده عن المشهد كليا بعد أن استعبد العقل واستمال ناحيته العاطفة، وسيطر عليهما بشكل دراماتيكي مذهل!
ومع أن نشأة مفهوم العقول الأداتية مرتبط بالفكر الأرسطي المبني على المنطق والتأطير والحسابات، إلا أنها عقول جامدة من حيث المبدأ، فهي ليست كالعقول التنويرية المتحررة والمتطورة، لا أبدا، فالعقل هنا مجرد أداة، مسلوبة منه الحرية، إما بالانصياع جبرا وقهرا وإما بالاتباع انخداعا وتضليلا، وهو في كلتا الحالتين يوظف للقيام بمهام محددة وبما يخدم جهة معينة ذات سلطة ونفوذ، وأيا كان تشخيص حال «الأدواتية» فمن يسيطر عليهم ويتحكم فيهم يعيش حالة من المافيوزية والأوتوقراطية، والتي تكاد تكون شبه بارزة في المشهد الأكاديمي، خاصة إذا ما أسقطنا هذه المفاهيم الفلسفية على واقعنا الأكاديمي.
وحتى تكون الصورة واضحة وبسيطة دعوني أعطكم مثالا واقعيا: أستاذ جامعي حاصل على درجة الدكتوراه من جامعة أمريكية في أحد التخصصات الهندسية، ثم يترك التدريس الممتع والبحث العلمي الحر، فقط كي يعمل وكيلا في عمادة شؤون الطلاب أو مشرفا في مركز حاضنات الإبداع أو مشرفا على إسكان الطلاب والطالبات، وليته حينما بلغ مبلغه سكت على بلواه، ولكنه في كل واد ومحفل، بداع أو بدون، يكيل من عبارات المديح والثناء لمن رشحه وعينه في منصبه الإداري هذا، كي لا يخسره، مثل هذا الأستاذ المبجل ظاهرا والأجوف باطنا لو لم يكن من فئة العقول الأداتية لوجدناه يقود مصنعا للطائرات أو معملا للكابلات أو وجدناه مديرا عاما أو مشرفا على برامج تصنيعية في أرامكو أو في سابك، فضلا عن مكانته العلمية والاجتماعية بين الناس كأستاذ جامعي!
أعطيكم مثالا آخر: ما تحصل عليه بعض الجامعات المحلية من مراكز وهمية في سلالم التصنيفات الدولية، وما تناله من ثناءات وإطراءات تبلغ الآفاق، إنما يدخل مجازا تحت ما يسمى بالتشيؤ، وهو أن تقوم الإدارة الجامعية بنوع من البروباغندا فتجعل من اللاشيء شيئا، لا أحد يشعر به كمادة إلا العقول الأداتية التابعة لها، التي تتبرمج أدواتيا لهذا الغرض، وإلا فالواقع مختلف تماما، ولو لم نكن مثلهم عقولا أداتية في أيدي هؤلاء الإداريين لأوقفنا هذه النجاحات الوهمية وبددناها ومزقناها كل ممزق، أو على الأقل من باب أضعف الإيمان قلنا لهم: كفوا أيديكم!
أما العقول المافيوزية التي تدير العقول الأداتية، وتسيطر عليها وعلى المشهد الأكاديمي برمته، فهي تلك التي في الغالب تتربع على قمة الهرم الإداري، وتستحوذ على المخصصات المالية، كمخصصات اللجان الدائمة والأبحاث التطويرية، وبدلات التميز، وتتقاسم المنح المالية تحت برامج بحثية بمسميات خداعة، وتسرف بترف مقنن، وتسيح صيفا وشتاء مع لجنتها الاستشارية الدولية في العواصم الأوروبية والآسيوية، وبالمناسبة هي ليست مجموعة مستترة وتعمل في الخفاء، بل تعمل نهارا جهارا، وأربابها وإن غابت أجساد بعضهم عن الحضور بسبب التقاعد إلا أنهم حاضرون بقوة «التشلشل» وربما تدثروا بالتقى والصلاح ووجدوا تعزيزا وتمجيدا من مجتمع الأدوات الشيفوني الساذج!
drbmaz@
ومع أن نشأة مفهوم العقول الأداتية مرتبط بالفكر الأرسطي المبني على المنطق والتأطير والحسابات، إلا أنها عقول جامدة من حيث المبدأ، فهي ليست كالعقول التنويرية المتحررة والمتطورة، لا أبدا، فالعقل هنا مجرد أداة، مسلوبة منه الحرية، إما بالانصياع جبرا وقهرا وإما بالاتباع انخداعا وتضليلا، وهو في كلتا الحالتين يوظف للقيام بمهام محددة وبما يخدم جهة معينة ذات سلطة ونفوذ، وأيا كان تشخيص حال «الأدواتية» فمن يسيطر عليهم ويتحكم فيهم يعيش حالة من المافيوزية والأوتوقراطية، والتي تكاد تكون شبه بارزة في المشهد الأكاديمي، خاصة إذا ما أسقطنا هذه المفاهيم الفلسفية على واقعنا الأكاديمي.
وحتى تكون الصورة واضحة وبسيطة دعوني أعطكم مثالا واقعيا: أستاذ جامعي حاصل على درجة الدكتوراه من جامعة أمريكية في أحد التخصصات الهندسية، ثم يترك التدريس الممتع والبحث العلمي الحر، فقط كي يعمل وكيلا في عمادة شؤون الطلاب أو مشرفا في مركز حاضنات الإبداع أو مشرفا على إسكان الطلاب والطالبات، وليته حينما بلغ مبلغه سكت على بلواه، ولكنه في كل واد ومحفل، بداع أو بدون، يكيل من عبارات المديح والثناء لمن رشحه وعينه في منصبه الإداري هذا، كي لا يخسره، مثل هذا الأستاذ المبجل ظاهرا والأجوف باطنا لو لم يكن من فئة العقول الأداتية لوجدناه يقود مصنعا للطائرات أو معملا للكابلات أو وجدناه مديرا عاما أو مشرفا على برامج تصنيعية في أرامكو أو في سابك، فضلا عن مكانته العلمية والاجتماعية بين الناس كأستاذ جامعي!
أعطيكم مثالا آخر: ما تحصل عليه بعض الجامعات المحلية من مراكز وهمية في سلالم التصنيفات الدولية، وما تناله من ثناءات وإطراءات تبلغ الآفاق، إنما يدخل مجازا تحت ما يسمى بالتشيؤ، وهو أن تقوم الإدارة الجامعية بنوع من البروباغندا فتجعل من اللاشيء شيئا، لا أحد يشعر به كمادة إلا العقول الأداتية التابعة لها، التي تتبرمج أدواتيا لهذا الغرض، وإلا فالواقع مختلف تماما، ولو لم نكن مثلهم عقولا أداتية في أيدي هؤلاء الإداريين لأوقفنا هذه النجاحات الوهمية وبددناها ومزقناها كل ممزق، أو على الأقل من باب أضعف الإيمان قلنا لهم: كفوا أيديكم!
أما العقول المافيوزية التي تدير العقول الأداتية، وتسيطر عليها وعلى المشهد الأكاديمي برمته، فهي تلك التي في الغالب تتربع على قمة الهرم الإداري، وتستحوذ على المخصصات المالية، كمخصصات اللجان الدائمة والأبحاث التطويرية، وبدلات التميز، وتتقاسم المنح المالية تحت برامج بحثية بمسميات خداعة، وتسرف بترف مقنن، وتسيح صيفا وشتاء مع لجنتها الاستشارية الدولية في العواصم الأوروبية والآسيوية، وبالمناسبة هي ليست مجموعة مستترة وتعمل في الخفاء، بل تعمل نهارا جهارا، وأربابها وإن غابت أجساد بعضهم عن الحضور بسبب التقاعد إلا أنهم حاضرون بقوة «التشلشل» وربما تدثروا بالتقى والصلاح ووجدوا تعزيزا وتمجيدا من مجتمع الأدوات الشيفوني الساذج!
drbmaz@