الرأي

تباعدوا..لا تدعوا فرصة للفيروس

محمد الأحمدي
تتصدر الشاشات العالمية لوحة طالما تسمر أمامها المستثمر ليراقب التحركات المالية بالصعود والنزول. لكن هذه الظهيرة اختلف الأمر، فالتجارة برمتها وابنها المدلل - المضاربة في السوق - تحتضر.

لقد عشق الناس في أسواق البورصة العالمية عبر السنين اللونين الأحمر والأخضر، ليعبرا عن الكسب والخسارة المالية، بينما يأتي اليوم لتشير تلك الألوان إلى كسب الحياة أو خسارتها.

واستبدلت شاشة البورصة بشاشة لمتابعة أحداث الوباء العالمي، الذي تتغير أرقام الإصابات والوفيات فيها بالثواني، وزينت تلك الشاشة المتحركة بالأعلام الرسمية لما يزيد على 113 بلدا حول العالم. فكانت فرصة لرؤية الأعلام المتشابهة بين الدول كعلمي ألمانيا وبلجيكا اللذين يتضمنان الأحمر والأصفر والأسود، فأوائل الحروف من الألوان في العلمين أقرؤها بعين الداء بأن الحاء حصد الأرواح، والصاد صفد الإنس قبل رمضان، والسين سلب الحرية منهم.

تتصدر الصورة المشهد، وتعلق بالأذهان فتؤثر على القرارات، فيعبرون الناس عن قلقهم بشتى الطرق، فتتسوق عائلة دون حاجتها، وتضطرب أخرى فتعزل ذاتها عن الناس مبكرا، وتتشتت أفكار البعض أمام الكم الهائل من الرسائل التحذيرية والتوعوية والإخبارية الصادقة وغيرها.

وقد ترى من استأنست بحواره ولقائه بالأمس يولي ملوحا بيديه من بعيد.

وتتحول لقاءات مجتمعي المجاور إلى لقاءات صوتية عبر وسائل التواصل الحديثة التي حرصنا في مجتمعنا الصغير ذي العشرين منزلا، أن نكون يدا واحدة يدعم بعضنا بعضا، كمبادرة من أحد الجيران الأعزاء. فبعد اللقاءات الشهرية المباشرة قبل الأزمة التي تتسم بالبساطة وعدم التكلف، وقد نقضي الساعة والاثنتين حديثا مع بعضنا وقوفا على الأقدام، ولكم أن تتخيلوا أن يجتمع ما يزيد على 30 شخصا في غرفة الاستقبال مع المطبخ في مساحة صغيرة، يدرك هذا جيدا من رأى المنازل البريطانية وعايشها، ففي أقصى الحدود لا تصل إلى مساحة 16 مترا مربعا، أما اليوم فنجتمع كل على الحال الذي يعجبه دون لقاء مباشر.

في آخر جمعة بالمركز الإسلامي حضرتها في 13 مارس 2020، التي ناقش فيها الإمام بعض الإجراءات الاحترازية في حال عدم تعليق الصلاة بالمسجد، كاصطحاب سجادة خاصة بكل مصل مع مبدأ التباعد الاجتماعي الذي لم يعهد في الصلاة، بل اعتادت المسامع على «سدوا الخلل، لا تدعوا فرجة للشيطان».

وقد لمست في تلك الجمعة التباعد الاجتماعي المتمثل في عدم تجاذب الأحاديث بين المصلين عقب صلاة الجمعة، والتي قد يغلق المصلون أحيانا ممر المشاة الذي يمر من أمام المسجد بسبب أحاديثهم عقب كل جمعة. وتوقعت أني سأسمع في الجمعة المقبلة «تباعدوا تباعدوا لا تدعوا فرصة للألم أن يأتي إليكم»، ولكن غاب عني ذلك الصوت، ليتردد في ذهني دون مسامع غيري من المصلين فشاركته لأسمعكم ما سمعت في هذه المقالة التي أكتبها وطيف الأمل يشرق، والأزمة باتت تنفرج.

alahmadim2010@