الرأي

الكوميديا والممثلون والأجور في رمضان!

عبدالحليم البراك
تكاد تتحول كل مسلسلات رمضان إلى كوميديا، ولم يتبق إلا حياة الفهد لتدخل عالم الكوميديا بعد أن تربعت على عرش التراجيديا والبكاء مؤخرا، لم يبق فنان أو فنانة إلا واستخف دمه ككوميدي والنتيجة: لم يضحك أحد، لم ينجح أحد. وقد يمضي يومك الرمضاني كله وأنت تتابع أكثر من ثلاثة أو أربع مسلسلات في اليوم ولا تضحك ولا مرة، إلا إذا استخدمنا مصطلح (شر البلية ما يضحك)، وقد نتقبل أن تكون (ثيمة) فنان معين هي الكوميديا، كناصر القصبي أو عادل إمام، لكن أن يكون الجميع (كوميديان) بمناسبة شهر رمضان فهذا لا يطاق، فهل سيخترع لنا الإعلام الرمضاني نشرة أخبار كوميدية خاصة برمضان؟!

لم يتوقف الأمر عند هذا الأمر، فكل واحد ينسب برنامجه إلى اسمه، فدرويشيات الآن، وقبله داووديات وسيأتي يوم اسمه قصبيات (نسبة لناصر القصبي) أو (إماميات) نسبة لعادل إمام، لكن محمد رمضان يصعب عليه أن يسمي فنه يوما ما «رمضانيات»، أو «محمديات»، إلا إن اختار (نمبر ون).

وظهر في رمضان سباق الحديث عن الأجور علنا، فعادل إمام الأكثر أجرا بمليونين ونصف المليون دولار بحسب وسائل الإعلام المصرية، ورامز جلال بدخل مقداره 100 مليون جنيه مصري، والمصدر مرتضى منصور ودعاواه في المحاكم، وأخيرا ما قاله محمد رمضان بأنه لا يوجد منتج يتحمل اجتماعه مع عادل إمام في مسلسل واحد بسبب ارتفاع أجرهما، وفي شغف لنسمع أجور فوضوية هيا الشعبي في التلفزيون السعودي، أو أجور صغار (البومب) في الفضائيات!

والحسد الإعلامي في رمضان يجري في الدم، فحملة النيل من ناصر القصبي وتذكيره بزميل دربه عبدالله السدحان يوما بعد يوم تظهر كسياط تلهب ظهره (ليس ضروريا أن زميلك الذي تبدأ معه الفن تموت معه في الفن، ولو كانا إلى الآن معا لقالوا لماذا لا يفترقان)، رغم أن ناصر القصبي يقدم أفضل حالاته في مخرج 7 لولا خطأ (كانت مقر عمله شركة ثم تحولت بقدرة سيناريست سيئ إلى وزارة حكومية)، والحسد ممتد لرامز الذي يشتمونه في الإعلام وكل سنة يتابعونه أكثر وأكثر!

والتخمة في رمضان سمة لا تنقطع وليست تخمة أكل فقط، بل تخمة مسلسلات حد الغثيان والشبع، لدرجة أن الممثل حمدي المرغني يشارك في ثلاثة مسلسلات في رمضان، والممثلة إلهام علي أيضا تشارك في ثلاثة مسلسلات رمضانية، فمن تخمة مسلسلات إلى تخمة حضور ممثلين وممثلات، وتخمة لقاءات أيضا، إلى حد نكاد أن نقول إنهم استضافوا كل من يمكن أن يخرج أمام شاشة التلفزيون!

أما المسابقات فإنها في الأوقات الميتة التي يجري إنعاشها بأوكسجين الوعد بالربح (مليون دولار، مليون ريال، مليون جنية، فقط اتصل على الرقم الخاص ببلدك!)، وبواسطة المسابقات تجني القنوات الفضائية المال من المعلن من جهة، ومن المشاركين من جهة أخرى، ومن الممول أيضا، لدرجة أنك تتوقع أن تشارك في هذه المسابقات وأنت لا تعلم!

أما الدعاية للشبكات المدفوعة مقابل المشاهدة، تجري محاولة اقتصاص حصة من الشركة الأجنبية الشهيرة التي غزت السوق بالجودة والسعر الجيد، لكن باءت محاولات الشركات العربية في الفشل، سعر مرتفع في شبكة مقابل مادة هشة فيها ولا جديد، وسعر منخفض في شبكة أخرى لكنك لو تصبر 24 ساعة شاهدت كل ما تميزت به تلك الشبكة المدفوعة (بالمناسبة: المشاهد ذكي جدا عندما يمس الأمر جيبه وليس عقله!).

أخيرا، متى يكون رمضان شهرا مميزا في الجودة حتى مع الأرباح؟ متى يكون في شهر رمضان فن حقيقي وليس كوميديا رخيصة؟ متى يكون رمضان كرمضان زمان؟ متى نشاهد عملا ونتمنى أن نعيد رؤيته مرة أخرى، بدلا من أن نتمنى أن ينتهي المسلسل في أسرع وقت ممكن لنستعيذ منه ومن هذه الفوضى التي تسمى «الفن» في رمضان؟!

Halemalbaarrak@