الرأي

أنا أتألم إذن أنا موجود..!

سنابل موقوتة

عبدالله المزهر
حينما شاهدت وزير المالية يتحدث عن الإجراءات «المؤلمة» التي ستتخذ لمعالجة هذه الأزمة التي لم يمر لها مثل - ولن يمر إن شاء الله - كنت أنتظر أن يقول في نهاية الحديث «علي الطلاء أنت أتخضيت»، وأن يكون ما سمعته مجرد حلم عابر من أحلام نومة ما بعد الإفطار، لكن هذا لم يحدث وكان الكلام حقيقيا.

الجميع يعلم يقينا أن الفاتورة ستكون صعبة ومؤلمة، لكننا - وهذه من طبائع الكائنات البشرية - نخاف حتى من سماع الحقائق التي نعلم بوجودها.

نحن كمتلقين للأخبار ومتأثرين بما فيها أشبه بوضع الطالب الذي لم يدخل الامتحان من الأساس، لكنه يريد أن يتأخر إعلان النتائج مع أنه يعلنها سلفا، ويبقى لديه بصيص من الأمل، بأن اسمه سيكون في كشوفات الناجحين ولو عن طريق الخطأ.

والحقيقة التي نعرفها جميعا أنه سيكون هناك إجراءات لا يستسيغها الناس، وهذا وضع طبيعي، فلا أحد من سكان كوكب الأرض يريد أن يقل دخله أو يتأثر، وهذا أمر لا علاقة له بحب الوطن ولا بحب بنت الجيران.

أما الحقيقة الأخرى أن هذه التصريحات العامة وغير المفصلة والتي ينقصها الوضوح، فهي الصيد الثمين لمروجي الإشاعات ومحترفي الكذب وتزجية الأوقات في وسائل التواصل بتأليف السيناريوهات.

ولم يستغرق الأمر دقائق بعد تصريح الوزير حتى انهالت تلك القصص من كل حدب وصوب، وبدا التنافس حاميا بين «الشائعجيين»، فمروج يقول سيحسمون من الرواتب، وآخر يتحدث عن البدلات والعلاوات، وثالث قال إن الضرائب ستتضاعف أضعافا مضاعفة، وآخر تراوده نفسه ليقول إنهم سيقلصون عدد المواطنين حتى يوائم الميزانية المتاحة، وتكاثرت (لن يكون وسيكون) على المتلقي، وكل المروجين يعتمدون في تلك السيناريوهات على المرجع العظيم الذي لا يخذل أحدا ممن يريد أن يكون مصدرا مرموقا يشار إليه بالبنان في وسائل التواصل، وأعني بالطبع «الكيس».

والكيس كما تعلمون مصدر يعتد به وقد صنع على يديه نجوما ومشاهير وقادة رأي.

والمهم في كل هذا أن هذا مما عم به البلاء كل الكوكب، وهذا مريح نفسيا، فحين يكون الضرر عاما على كل الناس يقل «الألم» الذي تحدث عنه الوزير، وهذا ليس من باب تمني الضرر للآخرين، لكنه من باب أن هذا الضرر لم يكن نتيجة لأخطاء.

كان الأمر سيكون مؤلما أكثر لو أن السعودية لم تبذل ما في وسعها في هذه الأزمة ولم تنجح في جعل الأمر في حدوده الدنيا، وكان سيكون مؤلما لو أن الوباء فتك بصحة الناس والحكومة تتفرج ولم تتدخل إلا للفتك بجيوب الناس، ولكن هذا لم يحدث، وهذا قد يكون عاملا محفزا على تحمل الألم والمضي قدما نحو الأمل.

وعلى أي حال..

سنجتاز هذه الأزمة سويا، وسنكون أقوياء - كما قال الوزير - وسيكون الغد أجمل، وهذا ليس رجما بالغيب، ولكننا يجب أن نؤمن بهذا يقينا حتى لا نفسد حاضرنا، فالله لطيف بعباده، وحسن الظن بالله عبادة عظيمة، كل من يمارسها يجد نتائجها أسرع مما تخيل، وأقرب مما كان يظن.

agrni@