هل يحق للمستأجر التحلل من التزاماته بذريعة جائحة كورونا؟
الاحد / 3 / رمضان / 1441 هـ - 00:45 - الاحد 26 أبريل 2020 00:45
إن الإجابة عن السؤال الشائك لهذه المقالة تستدعي التطرق إلى عقود الإيجار في النظام السعودي، وكذلك التطرق إلى آثار قرارات الجائحة على عقود الإيجار:
عقود الإيجار في النظام السعودي:
يوجد في بعض الدول نظام خاص ينظم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، ففي المملكة المتحدة مثلا هناك قانون يسمى بقانون المؤجر والمستأجر (Landlord and Tenant Act). كما يوجد في العديد من الدول نظام يُعنى بالتعاملات المدنية بشكل عام كقانون المعاملات المدنية العُماني، ولا نجد أنظمة مماثلة لهذه بالمملكة. وهذا الغياب التشريعي يجعل المرجع في التنظيم والفصل إلى أحكام الشريعة الإسلامية السمحاء.
وفي خطوة إيجابية متقدمة أصدر مجلس الوزراء القرار رقم (131) في 03/04/1435هـ والذي قرر فيه إنشاء وزارة الإسكان شبكة الكترونية لخدمات الإيجار. وإعمالا لهذا القرار فقد استحدثت وزارة الإسكان شبكة الكترونية لتسجيل عقود الإيجار الكترونيا وجعلت العقود المسجلة بها سندات تنفيذية كميزة. وتسجيل العقود بالشبكة أصبح إلزاميا الآن لمختلف أنواع الوحدات، سواء أكانت سكنية أو تجارية أو إدارية. فيقع لزاما على جميع المحال التجارية وما في حكمها والمكاتب الإدارية والمباني السكنية تسجيل عقودها الإيجارية بالشبكة. ولم تصدر وزارة الإسكان حتى تاريخ كتابة هذه المقالة أي قرار يتعلق بعقود الإيجار المتأثرة بالجائحة على خلاف وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية التي أولت اهتماما بعقود العمل.
آثار قرارات الجائحة على عقود الإيجار:
لقد كانت الجائحة وما زالت أمرا مفاجئا ومتسارعا، وقد أصدرت حكومة المملكة - أيدها الله - جملة من القرارات التي تهدف إلى الحد من انتشار الجائحة وتنصب في الصالح العام. ومن حزمة تلك القرارات قرار وزارة الشؤون البلدية والقروية القاضي بإغلاق الألعاب والأماكن الترفيهية داخل المجمعات وخارجها وقد دخل حيز النفاذ منذ يوم الأحد الموافق20/07/1441هـ، كما أصدرت بعض إمارات المناطق ومنها إمارة منطقة مكة المكرمة وكذلك بعض الأمانات ومنها أمانة الرياض قرارا بإغلاق كافة المجمعات التجارية، وإيقاف جميع الأنشطة التجارية عدا محلات التموين الغذائي والصيدليات. ومما لا شك فيه أن عددا من هذه القرارات أثر في وفاء المستأجرين بالتزاماتهم المنصوص عليها بعقد الإيجار كما أثر في انتفاعهم من العين محل عقد الإيجار. فهذا الإغلاق التام أثر بشكل مباشر على عدد من الشركات التي نشاطها ضمن الأنشطة الموقوفة مثل بيع الملبوسات ونحو ذلك، والتي تتخذ من تلك المحال مقرا لممارسة نشاطها من خلاله.
ولا ينحصر أثر الجائحة على المحال التجارية فحسب، بل يمتد أيضا إلى المكاتب الإدارية، حيث أصدرت وزارة الداخلية قرارا يقضي بتمديد تعليق الحضور إلى مقرات العمل بالقطاعين العام والخاص، مما أثر على انتفاع المستأجرين من شركات و مؤسسات وحتى الأفراد من عقود الإيجار التي أبرموها. كما صدر قرار بالمنع الكامل على عدد من الأحياء بالمدن الرئيسية كالرياض وجدة. ولما كانت عقود الإيجار تحتفظ بطبيعة خاصة تتمثل في التزامات دفع الأجرة والإخلاء وتسليم العين وغيرها. فإن قرار الحظر الكامل سيؤثر بشكل كبير على التزام المستأجر بإخلاء العين وتسليمها بالحالة التي كانت عليها ويجعل الوفاء بالالتزامات أكثر تعقيدا.
وبعد استعراضنا لوضع عقود الإيجار بالنظام السعودي ولأثر قرارات الجائحة على تلك العقود، فإنه يتضح أن الإجابة عن سؤال المقالة أمر صعب لا تكفيه أسطر محدودة، ولكن يمكننا القول بأن الإجابة عنه تتوقف على أمور عدة، من بينها الآتي:
نوع العقد
ونقصد به إذا كان مسجلا بشبكة إيجار أم إنه غير مسجل بالشبكة، ومن هذا المنطلق يمكن تقسيم عقود الإيجار إلى نوعين:
1 - عقد إيجار مسجل
نتوقع بأن الشركات المستأجرة والمسجلة لعقودها عبر شبكة إيجار محدودة لحداثة الشبكة نسبيا. ولكن بالنسبة لتلك الشركات التي سجلت عقد إيجارها بالشبكة، فإن نسخة نموذج العقد الموحد تضمن في فقرته رقم (8-1-4) من المادة الثامنة ما نصه أن عقد الإيجار يعد منقضيا بوجود «الأسباب القاهرة»، ونلحظ هنا عدم استخدام اللفظ القانوني المعروف «بالقوة القاهرة»، فقد يفهم من عموم تلك الفقرة أنها تشمل أي سبب قاهر، سواء كان ظرفا طارئا أو حادثا فجائيا استثنائيا أو قوة قاهرة. ومع ذلك فقد أوضحت المنصة في قسم الأسئلة المتكررة أن المقصود «بالأسباب القاهرة» «الأسباب التي لا يمكن توقعها ولا يستطاع دفعها كالزلازل والحروب والنزوح»، ولم يتطرق التعريف إلى تأثير الواقعة على تنفيذ الالتزامات وما إذا كانت ستجعل تنفيذ التزامات المستأجر مرهقا أو مستحيلا، مما يرجح معه أن العبارة ومقصودها يشملان حالتي الظرف الطارئ والقوة القاهرة.
وتأسيسا على ذلك، وأيا كان تكييف الجائحة سواء كُيفت كظرف طارئ أو كقوة قاهرة، فإننا نرى بأن للمستأجر إنهاء العقد بموجب تلك الفقرة إذا كان تنفيذ عقده مرهقا أو مستحيلا له. ولكن كلمة الفصل في مشروعية الإنهاء من عدمه ستكون للقضاء. ويبدو أن خيار الإنهاء قد يكون غير محبذ لدى أغلب المستأجرين، وبالتالي قد تكون المفاهمة الودية مع المؤجر هي الخيار الأنسب لمحاولة الوصول إلى حل مُرضٍ لكلا الطرفين، خاصة في ظل توقف العمل جزئيا في المحاكم خلال الفترة الراهنة.
2 - عقد إيجار غير مسجل
وهذا ما نعتقد أن جل الشركات عليه، أي إن عقود إيجارها غير مسجلة بشبكة إيجار، فقد تكون عقودها غير متضمنة لبند يتناول الظروف الطارئة والقوة القاهرة أو أحدهما أو كليهما وقد تكون متضمنة لكل أو بعض ذلك.
ففي حالة عدم تضمين العقد للبند فإن الأمر يكون أكثر تعقيدا، ولا سيما إن كان العقد يتضمن غرامة تأخير. وهنا وإن كانت الخيارات المتاحة للشركات محدودة إلا أن عدم إشارة العقد لهذا البند لا يعني عدم إمكانية الاحتجاج بظروف الجائحة، حيث ستطبق هنا القواعد العامة للعدالة وأحكام الشريعة الإسلامية والتي جاءت برفع الضرر. فلمثل تلك الشركات المستأجرة الاتفاق وديا مع المؤجر بتعليق العقد مثلا أو إنهائه أو تأجيل سداد الأجرة إلى وقت لاحق أو خصم نسبة معينة منه لفوات المنفعة.
أما إذا تضمن العقد البند فإننا نرى بأنه يحق للمستأجر فسخ العقد بموجبه، إلا أن البت في مشروعية الإنهاء ستكون للقضاء، حيث إن عبء إثبات وقوع الضرر وتأثيره في التزاماته سيقع على عاتقه مع مراعاة تعميم وزير العدل رقم (13/ت/7656) وتاريخ 04/05/1440هـ.
وقت إبرام العقد
إن لوقت إبرام العقد أهمية بالغة، فإذا تم إبرام العقد خلال فترة الجائحة فإنه من غير المتصور قيام المستأجر بالتعذر بظروف الجائحة ليتنصل من التزاماته، وذلك لغياب عنصر الحادث الفجائي. بخلاف إذا تم إبرام العقد قبل الجائحة، فهنا تكون حادثا غير متوقع لطرفي التعاقد، وبالتالي يكون هناك مجال لمناقشة عدم الالتزام بالعقد بالاستناد إلى حالة القوة القاهرة أو الظرف الطارئ.
كما أن لوقت إبرام العقد أهمية أخرى تكمن في إمكانية إقامة دعوى المطالبة بالأجرة. فقد صدر تعميم معالي وزير العدل رقم (13/ت/7656) وتاريخ 04/05/1440 الذي قرر فيه بأن عقود الإيجار التي لم تسجل بالشبكة الالكترونية لخدمات الإيجار تكون غير منتجة لآثارها القضائية. كما اطلعنا على جواب وكيل الوزارة للشؤون القضائية على استفسار رئيس المحكمة العامة بالخبر، والذي استعلم فيه الرئيس عن تفسير عبارة «غير منتجة لآثارها القضائية» الواردة بتعميم الوزير، فأجابه وكيل الوزارة بأن المراد هو «عدم سماع دعاوى الأجرة غير المسجلة والمبرمة بعد تاريخ التعميم أمام المحاكم العامة ولا يسري على العقود المبرمة قبل تاريخ التعميم»، وقد اطلعنا أيضا على سابقة قضائية حكم فيها القاضي بعدم سماع الدعوى لهذا السبب، ويستنبط من هذا أن الشركات المستأجرة التي أبرمت عقودا غير مسجلة بالشبكة بعد تاريخ تعميم الوزير فإن دعاوى المطالبة بالأجرة ضدها سيُحكم فيها بعدم سماع الدعوى من حيث الشكل. وهذا قد يقوي جانب المستأجر ويبعث فيه الطمأنينة ويضعف جانب المؤجر ويضطره إلى قبول أحد الحلول الودية.
النشاط
من المهم جدا عند بحث ضرر الجائحة التفرقة بين الشركات على أساس النشاط، فهناك شركات تأثرت أنشطتها بشكل مباشر وجسيم، ومثال ذلك كما أسلفنا محال الملبوسات، فهي مغلقة بالكامل بقرار من الدولة، وبالتالي يمكن اعتبار ذلك قوة قاهرة بحقها لاستحالة تنفيذ العقد في ظل فوات المنفعة، إذ إن الغرض من إبرام عقود الإيجار هو الانتفاع بالعين المؤجرة وهو لم يتحقق في حالتها، ونكرر هنا بأن الفيصل سيكون للقضاء الذي غالبا ما تتباين فيه الآراء والأحكام طبقا لحيثيات كل قضية. وعلى النقيض من ذلك فهناك شركات كانت وطأة الجائحة عليها بسيطة فلم تتأثر بشكل مباشر وجسيم، بل إن بعضا منها حقق أرباحا قد تكون طائلة.
وبما أن أغلب شركات الأنشطة المستثناة من القرارات الوزارية مستمرة بالعمل، مما يعني عدم تأثرها بظروف الأزمة بالشكل الذي يجعل تنفيذ التزاماتها مرهقا أو مستحيلا، فإننا نرى أنه من غير المتوقع قبول طلبات تلك الشركات بفسخ عقودها بحجة الجائحة.
hamsalghamdi@
عقود الإيجار في النظام السعودي:
يوجد في بعض الدول نظام خاص ينظم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، ففي المملكة المتحدة مثلا هناك قانون يسمى بقانون المؤجر والمستأجر (Landlord and Tenant Act). كما يوجد في العديد من الدول نظام يُعنى بالتعاملات المدنية بشكل عام كقانون المعاملات المدنية العُماني، ولا نجد أنظمة مماثلة لهذه بالمملكة. وهذا الغياب التشريعي يجعل المرجع في التنظيم والفصل إلى أحكام الشريعة الإسلامية السمحاء.
وفي خطوة إيجابية متقدمة أصدر مجلس الوزراء القرار رقم (131) في 03/04/1435هـ والذي قرر فيه إنشاء وزارة الإسكان شبكة الكترونية لخدمات الإيجار. وإعمالا لهذا القرار فقد استحدثت وزارة الإسكان شبكة الكترونية لتسجيل عقود الإيجار الكترونيا وجعلت العقود المسجلة بها سندات تنفيذية كميزة. وتسجيل العقود بالشبكة أصبح إلزاميا الآن لمختلف أنواع الوحدات، سواء أكانت سكنية أو تجارية أو إدارية. فيقع لزاما على جميع المحال التجارية وما في حكمها والمكاتب الإدارية والمباني السكنية تسجيل عقودها الإيجارية بالشبكة. ولم تصدر وزارة الإسكان حتى تاريخ كتابة هذه المقالة أي قرار يتعلق بعقود الإيجار المتأثرة بالجائحة على خلاف وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية التي أولت اهتماما بعقود العمل.
آثار قرارات الجائحة على عقود الإيجار:
لقد كانت الجائحة وما زالت أمرا مفاجئا ومتسارعا، وقد أصدرت حكومة المملكة - أيدها الله - جملة من القرارات التي تهدف إلى الحد من انتشار الجائحة وتنصب في الصالح العام. ومن حزمة تلك القرارات قرار وزارة الشؤون البلدية والقروية القاضي بإغلاق الألعاب والأماكن الترفيهية داخل المجمعات وخارجها وقد دخل حيز النفاذ منذ يوم الأحد الموافق20/07/1441هـ، كما أصدرت بعض إمارات المناطق ومنها إمارة منطقة مكة المكرمة وكذلك بعض الأمانات ومنها أمانة الرياض قرارا بإغلاق كافة المجمعات التجارية، وإيقاف جميع الأنشطة التجارية عدا محلات التموين الغذائي والصيدليات. ومما لا شك فيه أن عددا من هذه القرارات أثر في وفاء المستأجرين بالتزاماتهم المنصوص عليها بعقد الإيجار كما أثر في انتفاعهم من العين محل عقد الإيجار. فهذا الإغلاق التام أثر بشكل مباشر على عدد من الشركات التي نشاطها ضمن الأنشطة الموقوفة مثل بيع الملبوسات ونحو ذلك، والتي تتخذ من تلك المحال مقرا لممارسة نشاطها من خلاله.
ولا ينحصر أثر الجائحة على المحال التجارية فحسب، بل يمتد أيضا إلى المكاتب الإدارية، حيث أصدرت وزارة الداخلية قرارا يقضي بتمديد تعليق الحضور إلى مقرات العمل بالقطاعين العام والخاص، مما أثر على انتفاع المستأجرين من شركات و مؤسسات وحتى الأفراد من عقود الإيجار التي أبرموها. كما صدر قرار بالمنع الكامل على عدد من الأحياء بالمدن الرئيسية كالرياض وجدة. ولما كانت عقود الإيجار تحتفظ بطبيعة خاصة تتمثل في التزامات دفع الأجرة والإخلاء وتسليم العين وغيرها. فإن قرار الحظر الكامل سيؤثر بشكل كبير على التزام المستأجر بإخلاء العين وتسليمها بالحالة التي كانت عليها ويجعل الوفاء بالالتزامات أكثر تعقيدا.
وبعد استعراضنا لوضع عقود الإيجار بالنظام السعودي ولأثر قرارات الجائحة على تلك العقود، فإنه يتضح أن الإجابة عن سؤال المقالة أمر صعب لا تكفيه أسطر محدودة، ولكن يمكننا القول بأن الإجابة عنه تتوقف على أمور عدة، من بينها الآتي:
نوع العقد
ونقصد به إذا كان مسجلا بشبكة إيجار أم إنه غير مسجل بالشبكة، ومن هذا المنطلق يمكن تقسيم عقود الإيجار إلى نوعين:
1 - عقد إيجار مسجل
نتوقع بأن الشركات المستأجرة والمسجلة لعقودها عبر شبكة إيجار محدودة لحداثة الشبكة نسبيا. ولكن بالنسبة لتلك الشركات التي سجلت عقد إيجارها بالشبكة، فإن نسخة نموذج العقد الموحد تضمن في فقرته رقم (8-1-4) من المادة الثامنة ما نصه أن عقد الإيجار يعد منقضيا بوجود «الأسباب القاهرة»، ونلحظ هنا عدم استخدام اللفظ القانوني المعروف «بالقوة القاهرة»، فقد يفهم من عموم تلك الفقرة أنها تشمل أي سبب قاهر، سواء كان ظرفا طارئا أو حادثا فجائيا استثنائيا أو قوة قاهرة. ومع ذلك فقد أوضحت المنصة في قسم الأسئلة المتكررة أن المقصود «بالأسباب القاهرة» «الأسباب التي لا يمكن توقعها ولا يستطاع دفعها كالزلازل والحروب والنزوح»، ولم يتطرق التعريف إلى تأثير الواقعة على تنفيذ الالتزامات وما إذا كانت ستجعل تنفيذ التزامات المستأجر مرهقا أو مستحيلا، مما يرجح معه أن العبارة ومقصودها يشملان حالتي الظرف الطارئ والقوة القاهرة.
وتأسيسا على ذلك، وأيا كان تكييف الجائحة سواء كُيفت كظرف طارئ أو كقوة قاهرة، فإننا نرى بأن للمستأجر إنهاء العقد بموجب تلك الفقرة إذا كان تنفيذ عقده مرهقا أو مستحيلا له. ولكن كلمة الفصل في مشروعية الإنهاء من عدمه ستكون للقضاء. ويبدو أن خيار الإنهاء قد يكون غير محبذ لدى أغلب المستأجرين، وبالتالي قد تكون المفاهمة الودية مع المؤجر هي الخيار الأنسب لمحاولة الوصول إلى حل مُرضٍ لكلا الطرفين، خاصة في ظل توقف العمل جزئيا في المحاكم خلال الفترة الراهنة.
2 - عقد إيجار غير مسجل
وهذا ما نعتقد أن جل الشركات عليه، أي إن عقود إيجارها غير مسجلة بشبكة إيجار، فقد تكون عقودها غير متضمنة لبند يتناول الظروف الطارئة والقوة القاهرة أو أحدهما أو كليهما وقد تكون متضمنة لكل أو بعض ذلك.
ففي حالة عدم تضمين العقد للبند فإن الأمر يكون أكثر تعقيدا، ولا سيما إن كان العقد يتضمن غرامة تأخير. وهنا وإن كانت الخيارات المتاحة للشركات محدودة إلا أن عدم إشارة العقد لهذا البند لا يعني عدم إمكانية الاحتجاج بظروف الجائحة، حيث ستطبق هنا القواعد العامة للعدالة وأحكام الشريعة الإسلامية والتي جاءت برفع الضرر. فلمثل تلك الشركات المستأجرة الاتفاق وديا مع المؤجر بتعليق العقد مثلا أو إنهائه أو تأجيل سداد الأجرة إلى وقت لاحق أو خصم نسبة معينة منه لفوات المنفعة.
أما إذا تضمن العقد البند فإننا نرى بأنه يحق للمستأجر فسخ العقد بموجبه، إلا أن البت في مشروعية الإنهاء ستكون للقضاء، حيث إن عبء إثبات وقوع الضرر وتأثيره في التزاماته سيقع على عاتقه مع مراعاة تعميم وزير العدل رقم (13/ت/7656) وتاريخ 04/05/1440هـ.
وقت إبرام العقد
إن لوقت إبرام العقد أهمية بالغة، فإذا تم إبرام العقد خلال فترة الجائحة فإنه من غير المتصور قيام المستأجر بالتعذر بظروف الجائحة ليتنصل من التزاماته، وذلك لغياب عنصر الحادث الفجائي. بخلاف إذا تم إبرام العقد قبل الجائحة، فهنا تكون حادثا غير متوقع لطرفي التعاقد، وبالتالي يكون هناك مجال لمناقشة عدم الالتزام بالعقد بالاستناد إلى حالة القوة القاهرة أو الظرف الطارئ.
كما أن لوقت إبرام العقد أهمية أخرى تكمن في إمكانية إقامة دعوى المطالبة بالأجرة. فقد صدر تعميم معالي وزير العدل رقم (13/ت/7656) وتاريخ 04/05/1440 الذي قرر فيه بأن عقود الإيجار التي لم تسجل بالشبكة الالكترونية لخدمات الإيجار تكون غير منتجة لآثارها القضائية. كما اطلعنا على جواب وكيل الوزارة للشؤون القضائية على استفسار رئيس المحكمة العامة بالخبر، والذي استعلم فيه الرئيس عن تفسير عبارة «غير منتجة لآثارها القضائية» الواردة بتعميم الوزير، فأجابه وكيل الوزارة بأن المراد هو «عدم سماع دعاوى الأجرة غير المسجلة والمبرمة بعد تاريخ التعميم أمام المحاكم العامة ولا يسري على العقود المبرمة قبل تاريخ التعميم»، وقد اطلعنا أيضا على سابقة قضائية حكم فيها القاضي بعدم سماع الدعوى لهذا السبب، ويستنبط من هذا أن الشركات المستأجرة التي أبرمت عقودا غير مسجلة بالشبكة بعد تاريخ تعميم الوزير فإن دعاوى المطالبة بالأجرة ضدها سيُحكم فيها بعدم سماع الدعوى من حيث الشكل. وهذا قد يقوي جانب المستأجر ويبعث فيه الطمأنينة ويضعف جانب المؤجر ويضطره إلى قبول أحد الحلول الودية.
النشاط
من المهم جدا عند بحث ضرر الجائحة التفرقة بين الشركات على أساس النشاط، فهناك شركات تأثرت أنشطتها بشكل مباشر وجسيم، ومثال ذلك كما أسلفنا محال الملبوسات، فهي مغلقة بالكامل بقرار من الدولة، وبالتالي يمكن اعتبار ذلك قوة قاهرة بحقها لاستحالة تنفيذ العقد في ظل فوات المنفعة، إذ إن الغرض من إبرام عقود الإيجار هو الانتفاع بالعين المؤجرة وهو لم يتحقق في حالتها، ونكرر هنا بأن الفيصل سيكون للقضاء الذي غالبا ما تتباين فيه الآراء والأحكام طبقا لحيثيات كل قضية. وعلى النقيض من ذلك فهناك شركات كانت وطأة الجائحة عليها بسيطة فلم تتأثر بشكل مباشر وجسيم، بل إن بعضا منها حقق أرباحا قد تكون طائلة.
وبما أن أغلب شركات الأنشطة المستثناة من القرارات الوزارية مستمرة بالعمل، مما يعني عدم تأثرها بظروف الأزمة بالشكل الذي يجعل تنفيذ التزاماتها مرهقا أو مستحيلا، فإننا نرى أنه من غير المتوقع قبول طلبات تلك الشركات بفسخ عقودها بحجة الجائحة.
hamsalghamdi@