من أجل صحة هذا الكوكب
الخميس / 30 / شعبان / 1441 هـ - 22:00 - الخميس 23 أبريل 2020 22:00
جملة «العالم بعد كورونا» من أكثر الجمل التي جرى تداولها واستخدامها كعنوان لمقالات وتحليلات في الأشهر القليلة الماضية. والمتابع لبعض هذه المقالات سيلاحظ خلطا عند بعض الكتاب بين ما يتوقعونه بناء على المعطيات وبين ما يتمنونه.
ورغم أني جراح يكتب عمودا يُعنى بالطب ولست كاتبا، إلا أنني وقعت في الكمين نفسه. اعتقدت أن العالم أجمع سوف يقدر معنى الحياة الإنسانية وقيمتها، وسيعاد ترتيب الأولويات، وعلى رأسها الصحة والتعليم والخدمات الاجتماعية، وأن البشر الذين أحسوا بالخطر سيقدرون معنى أن يكون هناك رعاية صحية يعتمد عليها، تماما كما عرف الملايين الذين منعوا من مغادرة بيوتهم قيمة الحرية.
وكنت أرى أن الاقتصاديين الذين لم يملوا الشكوى من تكلفة الخدمات الصحية، وأنها استنزاف للموارد ويجب التخلص منها بأي طريقة، سواء بالخصخصة أو غيرها وتوفير الأموال لشيء آخر لا أعرفه؛ كنت أرى أنهم سيصلون إلى استنتاج أن الصحة أمر مكلف لكن إهمالها مكلف أكثر، وأن النفس هي أحد الأصول الخمسة التي وجب حمايتها كالدين والعرض، وأن من الأشياء ما لا يقاس بالدرهم والدينار.
كنت مقتنعا أن البشر سيتحررون قليلا من نمط الحياة الاستهلاكي الذي ثبت أننا نستطيع العيش دونه، من غير أي خلل في حياتنا، وسنعطي وزنا أكبر للحياة نفسها ولأنفسنا ولحياة الآخرين.
لكن مع مرور الوقت بدأت أعتقد أن الحياة بعد كورونا ليست بالضرورة ستكون أفضل منها قبلها، وأن ذاكرة البشر قصيرة جدا، والتباعد الاجتماعي سيبقى بعد زوال التباعد الجسدي. ثم أحبطني الهجوم الذي يشنه البعض على منظمة الصحة العالمية لأسبابهم الخاصة، وردده البعض لأسباب لا أفهمها.
سأعطيكم مثال لذلك: تخيل أن عمدة إحدى القرى رأى أن مستوصف القرية الوحيد الذي لا يحبه مزدحم، ويعاني من نقص مزمن ولا يعمل كما يعمل المستشفى المركزي في المدينة، خاصة الآن عندما أصاب الإسهال نصف سكان القرية، وعليه قرر إغلاق المستوصف! ماذا سيكون رأيكم؟ غالبا سترون أنه قرار خاطئ سيزيد الوضع سوءا، لكن تخيل لو أن مرضى القرية الذين ليس لهم مكان آخر للعلاج استصوبوا هذا الرأي لأن الانتظار في المستوصف طويل، كما أنه لم يتغير طلاؤه منذ عشر سنوات. سأترك لكم توصيف طريقة تفكيرهم.
تأسست منظمة الصحة العالمية في 7 أبريل 1948 كواحدة من وكالات عدة تابعة للأمم المتحدة، وكغيرها من وكالات الأمم المتحدة التي تعنى بالجوانب الإنسانية، فهي تساعد وتقدم الدعم والنصح وتمول الأبحاث والبرامج، وتنشر الوعي، ولكن ليس لها سلطة على أي من الدول الأعضاء، وليس لها موارد مالية مستقلة، وأداؤها هو انعكاس للدعم المادي والقانوني والأدبي الذي يقدمه المجتمع الدولي. هناك مليارات البشر في آسيا وأفريقيا وأمريكا الجنوبية وغيرها يستفيدون بشكل مباشر من خدمات منظمة الصحة العالمية. وإضعاف الوكالة وتشويه صورتها في هذا الوقت بالتحدي، كما حدث سابقا مع وكالات اليونسكو والأونروا لن يعطينا عالما أفضل بعد كورونا، بل ربما لن يعطينا أي عالم من الأساس. إن الوكالة التي استطاعت بالعمل الجماعي القضاء على وباء الجدري واحتواء غيره ستستطيع بإذن الله القضاء على كورونا.
drtjteam@
ورغم أني جراح يكتب عمودا يُعنى بالطب ولست كاتبا، إلا أنني وقعت في الكمين نفسه. اعتقدت أن العالم أجمع سوف يقدر معنى الحياة الإنسانية وقيمتها، وسيعاد ترتيب الأولويات، وعلى رأسها الصحة والتعليم والخدمات الاجتماعية، وأن البشر الذين أحسوا بالخطر سيقدرون معنى أن يكون هناك رعاية صحية يعتمد عليها، تماما كما عرف الملايين الذين منعوا من مغادرة بيوتهم قيمة الحرية.
وكنت أرى أن الاقتصاديين الذين لم يملوا الشكوى من تكلفة الخدمات الصحية، وأنها استنزاف للموارد ويجب التخلص منها بأي طريقة، سواء بالخصخصة أو غيرها وتوفير الأموال لشيء آخر لا أعرفه؛ كنت أرى أنهم سيصلون إلى استنتاج أن الصحة أمر مكلف لكن إهمالها مكلف أكثر، وأن النفس هي أحد الأصول الخمسة التي وجب حمايتها كالدين والعرض، وأن من الأشياء ما لا يقاس بالدرهم والدينار.
كنت مقتنعا أن البشر سيتحررون قليلا من نمط الحياة الاستهلاكي الذي ثبت أننا نستطيع العيش دونه، من غير أي خلل في حياتنا، وسنعطي وزنا أكبر للحياة نفسها ولأنفسنا ولحياة الآخرين.
لكن مع مرور الوقت بدأت أعتقد أن الحياة بعد كورونا ليست بالضرورة ستكون أفضل منها قبلها، وأن ذاكرة البشر قصيرة جدا، والتباعد الاجتماعي سيبقى بعد زوال التباعد الجسدي. ثم أحبطني الهجوم الذي يشنه البعض على منظمة الصحة العالمية لأسبابهم الخاصة، وردده البعض لأسباب لا أفهمها.
سأعطيكم مثال لذلك: تخيل أن عمدة إحدى القرى رأى أن مستوصف القرية الوحيد الذي لا يحبه مزدحم، ويعاني من نقص مزمن ولا يعمل كما يعمل المستشفى المركزي في المدينة، خاصة الآن عندما أصاب الإسهال نصف سكان القرية، وعليه قرر إغلاق المستوصف! ماذا سيكون رأيكم؟ غالبا سترون أنه قرار خاطئ سيزيد الوضع سوءا، لكن تخيل لو أن مرضى القرية الذين ليس لهم مكان آخر للعلاج استصوبوا هذا الرأي لأن الانتظار في المستوصف طويل، كما أنه لم يتغير طلاؤه منذ عشر سنوات. سأترك لكم توصيف طريقة تفكيرهم.
تأسست منظمة الصحة العالمية في 7 أبريل 1948 كواحدة من وكالات عدة تابعة للأمم المتحدة، وكغيرها من وكالات الأمم المتحدة التي تعنى بالجوانب الإنسانية، فهي تساعد وتقدم الدعم والنصح وتمول الأبحاث والبرامج، وتنشر الوعي، ولكن ليس لها سلطة على أي من الدول الأعضاء، وليس لها موارد مالية مستقلة، وأداؤها هو انعكاس للدعم المادي والقانوني والأدبي الذي يقدمه المجتمع الدولي. هناك مليارات البشر في آسيا وأفريقيا وأمريكا الجنوبية وغيرها يستفيدون بشكل مباشر من خدمات منظمة الصحة العالمية. وإضعاف الوكالة وتشويه صورتها في هذا الوقت بالتحدي، كما حدث سابقا مع وكالات اليونسكو والأونروا لن يعطينا عالما أفضل بعد كورونا، بل ربما لن يعطينا أي عالم من الأساس. إن الوكالة التي استطاعت بالعمل الجماعي القضاء على وباء الجدري واحتواء غيره ستستطيع بإذن الله القضاء على كورونا.
drtjteam@