قتل الأقرباء.. كيف؟ ولماذا؟
الاثنين / 22 / رمضان / 1437 هـ - 23:00 - الاثنين 27 يونيو 2016 23:00
بعد الحادثة البشعة التي صدمت المجتمع، وهي حادثة طعن التوأم لوالديهما وأخيهما أثيرت تساؤلات عدة: كيف تم تجنيدهما؟ وكيف تم توجيههما للقيام بهذا الفعل الشنيع؟ ولماذا؟ ما الهدف من وراء ذلك؟ والإجابة الصحيحة والدقيقة لهذه التساؤلات لا تظهر إلا بعد انتهاء التحقيقات الجنائية وظهور الحقائق.
لكن الملاحظ أن عمليات التجنيد اليوم أصبحت سهلة جدا، ففي ظل انتشار استخدام الانترنت وبرامجها المتنوعة ومواقعها وألعابها الالكترونية المختلفة من قبل الشباب، استغلت التنظيمات التكفيرية كداعش، وبشكل مهني محترف، هذه الفرصة لاختراق عقول الشباب وتوجيههم. حيث تعتمد التنظيمات التكفيرية في عملية التجنيد على طلبة الجامعات والمدارس الثانوية لاتصالهم الدائم بالانترنت ولنشاطهم المستمر بوسائل التواصل الاجتماعي، وأيضا لسهولة السيطرة على عقولهم من خلال تقنيات نفسية محددة. تتمثل، كما ترى د. كوثر حامد، في تقنية الإكراه أو ما يسمى (coercion) وتقنية التلاعب النفسي أو ما يسمى (psychological manipulation) ومن خلال هذه التقنيات النفسية تتلاعب داعش بعقول البشر، وخاصة المراهقين لتجندهم ضمن صفوفها كإرهابيين، وبذلك فإن ما يقوم به هؤلاء المجندون من ذبح وسفك دماء لا يعد خيارا بالنسبة لهم فهم غير مدركين ذهنيا أنهم متورطون بعمليات قتل وذبح؛ لأنه وبفضل تقنيات مسح الدماغ التي مورست على عقولهم بدرجة كافية تجعلهم يقومون بعملية ذاتية تخيلية دائمة، وهو ما يسمى (projection) والذي يجعلهم يظنون أنهم يجاهدون ويقاتلون في سبيل أهداف نبيلة كإيجاد مدينة العدل الكاملة، والقضاء على الكفرة وإبادتهم وإنهاء الفقر من حياة الأمم. (الدكتورة كوثر حامد، جريدة الجزيرة عدد الجمعة 10 / 6/ 2016).
كما استطاعت هذه التنظيمات التكفيرية أن تحول وتغير الخطاب التجنيدي وتبعده عن الطرح العميق المعقد إلى خطاب حماسي استنباطي بسيط سهل الفهم والاستيعاب، فالفكر التكفيري تخطى فكر الجماعات السابقة وأصبح أكثر جذبا للشباب وأسهل فهما، فهو خال من التعقيدات الفلسفية أو الفكر العميق.. فالعملية بكل بساطة تتمثل بالأمور التالية:
1 - تمكين فكرة وجوب إقامة الخلافة الإسلامية في الأرض في عقل الشاب من خلال الوسائل المشار إليها أعلاه.
2 - وبناء عليه تم الإعلان عن قيام الدولة الإسلامية وتم تنصيب الخليفة.
3 - تمكين فكرة وجوب مبايعة الخليفة من قبل المسلمين. ومن لا يبايع الخليفة يعد مرتدا عن دين الله، وخارجا من الملة.
4 - المرتد يستباح دمه ويجب قتله، حتى وإن كان أباه لأنه حاد الله ورسوله.. حيث يأتون لهم بهذه الآية: (لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولٰئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون) «المجادلة: 22».
وعليه فعندما يقنعون هؤلاء الشباب بكفر من لم يبايع خليفتهم، فكونه أبا أو أخا لا يعني لهم شيئا، لأنهم مرتدون كفار مستباح دمهم.
5 - بعد أن يتم تجنيد بعض حدثاء الأسنان الجهال، بطرق حديثة مبتكرة عبر الانترنت، (وعادة ما يكون هؤلاء يعانون من بعض الاضطرابات النفسية أو الاجتماعية، كالانطوائية والتفكك الأسري) والسيطرة على عقولهم. فبعد أن يتم تجنيدهم يتم توجيههم وإقناعهم بالأمور المذكورة بالنقاط الأربع أعلاه، ثم تأتي ساعة الصفر للتنفيذ، حيث يتم إرسال الأوامر برسالة الكترونيه مشفرة لتنفيذ المهمة، وللأسف وبكل بساطة يقوم الشاب مستلب العقل والفؤاد بتنفيذ العملية للفوز بأعلى الجنان.
هذه هي الخطوات البسيطة للإقناع لتنفيذ العمل الإرهابي ضد الأقرباء.
والتساؤل الخطير الذي يطرح نفسه: ما الهدف من وراء هذه العمليات المحدودة الأثر، فهي لم توجه ضد نظام الحكم أو شخصيات مهمة أو منشآت حيوية! بل وجهت ضد الأقارب (أب، أم، أخ، ابن، عم) أي أشخاص عاديين ليس لهم تأثير في إدارة دفة الأمور السياسية أو الاقتصادية في البلاد.. إذن لماذا تم استهدافهم؟ ما الهدف المرجو من وراء ذلك؟ وما المكاسب المراد تحقيقها؟
إنها «إدارة التوحش».. إنها سياسة خلق جو من التوحش ثم إدارته تمهيدا لتأسيس الدولة الإسلامية بحسب زعمهم، فبحسب كتاب «إدارة التوحش» (الذي يعد دستورا للتنظيمات الإرهابية التكفيرية) إن إقامة الدولة تمر عبر ثلاث مراحل:
1 - مرحلة شوكة النكاية والإنهاك.
2 - مرحلة إدارة التوحش.
3 - مرحلة شوكة التمكين وهي مرحلة قيام الدولة.
ويبرز الكتاب في شرحه للخطوات اللازمة لإدارة التوحش ضرورة «الترقي حتى تتحقق إمكانية التوسع والقدرة على الإغارة على الأعداء لردعهم وغنم أموالهم وإبقائهم في توجس دائم وحاجة للموادعة».
ويمضي الكتاب في الفصل الرابع الذي اختير له عنوان «اعتماد الشدة» إلى أن «الجهاد ما هو إلا شدة وغلظة وإرهاب وتشريد وإثخان». وجاء في الكتاب أنه «لا يمكن أن يستمر القتال وينتقل من مرحلة إلى أخرى إلا إذا كانت مرحلة البداية فيها مرحلة إثخان العدو وتشريده، بل يحتاج لهذه الشدة في المراحل الأخرى في كثير من الأحيان».
وهذا القتل لا يميز بين من يعتبرون قوات العدو أو الأنظمة العميلة، فيجب بحسبه «إنهاك قوات العدو والأنظمة العميلة لها وتشتيت جهودها والعمل على جعلها لا تستطيع أن تلتقط أنفاسها»، وتتم هذه العملية «بعمليات وإن كانت صغيرة الحجم أو الأثر.. إلا أن انتشارها وتصاعديتها سيكون لهما تأثير على المدى الطويل».
وهذا ما يعملون على تطبيقه في أرض الواقع في السعودية فبعد أن تمت مواجهتهم وإحباط العديد من عملياتهم والإطاحة بالكثير من خلاياهم لجؤوا إلى العمليات صغيرة الحجم والأثر إلا أن انتشارها وتصاعديتها سيكون لهما تأثير على المدى الطويل، ومنها زعزعة كيان اللبنة الأولى من لبنات المجتمع ألا وهي الأسرة. وذلك بزعزعة الثقة بين أفرادها، وزرع الخوف بينهم، الأمر الذي يؤثر سلبا على تماسكها ويضرب كيانها، مما سيؤدي إلى زعزعة كيان المجتمع. فهم يتعمدون أن يصدموا العقل والمشاعر بأفعالهم، هم يسعون إلى شل التفكير، فإقدام الابن على قتل أمه وأبيه يعد أمرا صادما للفطرة السليمة مما يزعزع حالة الاستقرار النفسي لأفراد المجتمع مما يسهل السيطرة عليهم من قبل العدو الخارجي.
إن إشاعة الخوف والفوضى تؤدي إلى إشاعة التوحش، الأمر الذي يسهل عملية الانقضاض على الدولة والسيطرة عليها وإدارة التوحش. وهذا ما يرمي إليه خوارج هذا الزمان.
فهم يطبقون استراتيجية الاستهداف الأسري، وهي فكرة محورية جديدة.. فمن أهداف مثل هذه الحوادث البشعة رغم محدوديتها اهتمام وسائل الإعلام بالتغطية الواسعة لها، والذي يحدث تأثيرا كبيرا على الأسر بالأخص الوالدين من نشر «ثقافة الخوف» من الأبناء والتشكيك فيهم.. وهو ما يزيد فرصة توتر العلاقة بين الأجيال.. وهنا تنجح التنظيمات التكفيرية في معادلتها الجهنمية وتتلخص بالتالي: كلما ازدادت الشقة بين الشباب وأفراد أسرهم كانت فرص استقطابهم أكبر وفرص احتوائهم في مخططاتها أسهل.. فضلا عن المعالجة الإعلامية الخاطئة لبعض الإعلاميين والتي تتناول الأحكام الدينية بالانتقاد أو التهجم دون امتلاك العلم الشرعي الكافي وهو ما يزيد في احتقان الشباب وهو ما يصب في صالح دعاوى التنظيمات التكفيرية بأن مثل هذه الممارسات تمثل توجهات الدولة.
لذا لزم مواجهة هذه الحالة بوسائل مبتكرة ومنوعة، وكذلك الاهتمام بالصحة النفسية لأفراد المجتمع وحمايتها من كل ما يؤثر فيها، والاهتمام بالأبناء ومتابعة ما يقرؤون وما يكتبون في الانترنت، لا بد من محو الأمية الالكترونية لدى الوالدين لمواجهة التجنيد الالكتروني.. لا بد أن يكون هناك تحرك فردي وأسري ومجتمعي لمواجهة هذه الظاهرة وانتشال أبنائنا من هذه الحال.. هذا إذا ما أردنا مواجهة هذه الأعمال الإرهابية الصادرة من أحداث الأسنان ضد أقربائهم.