ما بعد كورونا
السبت / 25 / شعبان / 1441 هـ - 19:15 - السبت 18 أبريل 2020 19:15
وأنا أكتب عنوان المقال تذكرت جملة مماثلة في سمتها البنائي، وهي «ما بعد الحداثة» التي ألف ترديدها معشر المثقفين بوجه عام والمهتمين منهم بجنس الأدب بخاصة. وأصدقكم القول فقد كنت ولا أزال غير شغوف بهذا المفهوم الفلسفي، ذلك أني لم أتمكن من فهم الحداثة وألمس صيغتها الواعية حتى أنتقل لمفهوم ما بعد الحداثة، لكوننا لم نَعبُر مسارات نهضتنا وفق سياقاتنا المعرفية، وإنما وفق سياقات المجتمع الغربي معرفيا وذهنيا، وبالتالي فنكون كمن لبس ثوب غيره، وتصور أنه قد تغير، وذلك لعمري هو الوهم الكبير.
على كل، أعود إلى ما نحن فيه من إشكال صحي لأقول وبكل وعي وإدراك: إن العالم سيكون شيئا آخر بعد انتهاء هذا الوباء، أو هكذا يجب أن يكون. فالعاقل من يتدبر ويعيد ترتيب حياته، وأولئك هم الفائزون، والخاسر من تمضي عليه الجائحة ولا يتأمل في مكنونها والرسالة التي أراد الله إيصالها له، فكل أمر الناس قَدَر جعله الله بعلمه السابق لحكمة، والله رؤوف بعباده.
وفي هذا الإطار يمكن القول بأن وباء كورونا قد كشف لنا على الصعيد المحلي وجه الخلل الأكبر في بقاء كل الأحياء العشوائية على حالها خلال الفترات السابقة، إذ لم تهتم الأمانات والبلديات بإزالتها أو تنظيمها على الرغم من حجم الوباء الذي كان يعتريها، ولم تولها الجهات الأمنية اهتمامها الكبير وتقم بتفكيكها على الرغم من كونها ملاذا لكل المتعاطين والمنحرفين. وكان من جراء ذلك أن تعايش المجتمع مع وجودها، وبات بين خيارين أحلاهما مر، حتى جاءت هذه الجائحة لتسلط الضوء بقوة على خطورة تلك المناطق، التي أصبحت مركزا لتوزيع الموت، ليس على ساكنيها أو المترددين عليها لأي سبب، وإنما على جميع سكان المدينة بل والوطن بأكمله، الأمر الذي يستوجب وقفة حازمة تهدف إلى إنهاء تلك المناطق العشوائية وإزالتها من الوجود، ثم العمل على إعادة تخطيطها وفق نظام مدني معتمد، وإعادة تسكين من يستحق من أهلها.
وفي السياق نفسه، فقد كشف لنا الوباء خللا آخر له تأثيره السلبي الكبير أيضا، وهو المتعلق بإدارة تسكين العمالة الوافدة، الذين تم امتهانهم من قبل مؤسساتهم وشركاتهم بشكل غير لائق، ومن ذلك ما كشفته لنا بعض الصور عن سكن عدد مئة عامل وافد تقريبا في شقة صغيرة لا تتجاوز مساحتها خمسين مترا مربعا مكونة من غرفتين صغيرتين ودورة مياه واحدة ومطبخ صغير، مما جعل الدولة تقوم بإعادة تسكينهم في مقرات المدارس الحكومية انطلاقا من مسؤولياتها الأخلاقية والصحية، تجنبا لانتشار الوباء بشكل أكبر، والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن هو: هل ذلك مقبول أساسا؟ وهل سيستمر الحال على ما هو عليه بعد الانتهاء من هذه الأزمة؟ في تصوري لن يكون، وأؤمن أن الدولة بوعيها وحسها الأخلاقي والقانوني ستصدر آلية جديدة تضمن تسكين العمالة الوافدة بشكل سليم وصحي، وسيكون ذلك فرضا على كل مؤسسة وشركة.
على الصعيد العالمي، الأمر له تأثيره الإيجابي إذا أحسنت الحكومات والمنظمات الدولية التأمل في العلة والغاية الكونية من هذه الجائحة، إذ حتما لم تكن الغاية موت كثير من الناس لينخفض عدد سكان الأرض كما روج لذلك بعض الساسة الموتورين في تصريحاتهم، فالإشكال ليس في كثرة عدد السكان، وإنما في كيفية معيشتهم وحياتهم.
ولا شك في أن الأرض قد تغير سمتها مع ابتداء القرن العشرين، والتوسع في التقنيات الحديثة جرت الاستفادة منها بشكل سلبي، فكان أن جرى تدمير الطبيعة بهدف زيادة الكسب المادي، جراء تنامي شبق الإحساس بالأنا البغيضة، حتى إذا ازداد الفساد، وتأثر الكوكب من تنامي شبق أولئك، أرسل الله هذا الفايروس المتناهي الصغر ليوقف عبث العابثين، فيُعسعس الليل من جديد، ويتنفس الصبح كما يجب، لتلتقط الأرض أنفاسها، ويسكن عليها الناس بأمان واطمئنان بيئي، فهل سيدرك العالم هذه الغاية؟ وهل حانت الفرصة لأن يسمع الساسة والاقتصاديون ما ينصح به خبراء البيئة وينادون به عبر مؤتمرات قمة الأرض المتتابعة؟
zash113@
على كل، أعود إلى ما نحن فيه من إشكال صحي لأقول وبكل وعي وإدراك: إن العالم سيكون شيئا آخر بعد انتهاء هذا الوباء، أو هكذا يجب أن يكون. فالعاقل من يتدبر ويعيد ترتيب حياته، وأولئك هم الفائزون، والخاسر من تمضي عليه الجائحة ولا يتأمل في مكنونها والرسالة التي أراد الله إيصالها له، فكل أمر الناس قَدَر جعله الله بعلمه السابق لحكمة، والله رؤوف بعباده.
وفي هذا الإطار يمكن القول بأن وباء كورونا قد كشف لنا على الصعيد المحلي وجه الخلل الأكبر في بقاء كل الأحياء العشوائية على حالها خلال الفترات السابقة، إذ لم تهتم الأمانات والبلديات بإزالتها أو تنظيمها على الرغم من حجم الوباء الذي كان يعتريها، ولم تولها الجهات الأمنية اهتمامها الكبير وتقم بتفكيكها على الرغم من كونها ملاذا لكل المتعاطين والمنحرفين. وكان من جراء ذلك أن تعايش المجتمع مع وجودها، وبات بين خيارين أحلاهما مر، حتى جاءت هذه الجائحة لتسلط الضوء بقوة على خطورة تلك المناطق، التي أصبحت مركزا لتوزيع الموت، ليس على ساكنيها أو المترددين عليها لأي سبب، وإنما على جميع سكان المدينة بل والوطن بأكمله، الأمر الذي يستوجب وقفة حازمة تهدف إلى إنهاء تلك المناطق العشوائية وإزالتها من الوجود، ثم العمل على إعادة تخطيطها وفق نظام مدني معتمد، وإعادة تسكين من يستحق من أهلها.
وفي السياق نفسه، فقد كشف لنا الوباء خللا آخر له تأثيره السلبي الكبير أيضا، وهو المتعلق بإدارة تسكين العمالة الوافدة، الذين تم امتهانهم من قبل مؤسساتهم وشركاتهم بشكل غير لائق، ومن ذلك ما كشفته لنا بعض الصور عن سكن عدد مئة عامل وافد تقريبا في شقة صغيرة لا تتجاوز مساحتها خمسين مترا مربعا مكونة من غرفتين صغيرتين ودورة مياه واحدة ومطبخ صغير، مما جعل الدولة تقوم بإعادة تسكينهم في مقرات المدارس الحكومية انطلاقا من مسؤولياتها الأخلاقية والصحية، تجنبا لانتشار الوباء بشكل أكبر، والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن هو: هل ذلك مقبول أساسا؟ وهل سيستمر الحال على ما هو عليه بعد الانتهاء من هذه الأزمة؟ في تصوري لن يكون، وأؤمن أن الدولة بوعيها وحسها الأخلاقي والقانوني ستصدر آلية جديدة تضمن تسكين العمالة الوافدة بشكل سليم وصحي، وسيكون ذلك فرضا على كل مؤسسة وشركة.
على الصعيد العالمي، الأمر له تأثيره الإيجابي إذا أحسنت الحكومات والمنظمات الدولية التأمل في العلة والغاية الكونية من هذه الجائحة، إذ حتما لم تكن الغاية موت كثير من الناس لينخفض عدد سكان الأرض كما روج لذلك بعض الساسة الموتورين في تصريحاتهم، فالإشكال ليس في كثرة عدد السكان، وإنما في كيفية معيشتهم وحياتهم.
ولا شك في أن الأرض قد تغير سمتها مع ابتداء القرن العشرين، والتوسع في التقنيات الحديثة جرت الاستفادة منها بشكل سلبي، فكان أن جرى تدمير الطبيعة بهدف زيادة الكسب المادي، جراء تنامي شبق الإحساس بالأنا البغيضة، حتى إذا ازداد الفساد، وتأثر الكوكب من تنامي شبق أولئك، أرسل الله هذا الفايروس المتناهي الصغر ليوقف عبث العابثين، فيُعسعس الليل من جديد، ويتنفس الصبح كما يجب، لتلتقط الأرض أنفاسها، ويسكن عليها الناس بأمان واطمئنان بيئي، فهل سيدرك العالم هذه الغاية؟ وهل حانت الفرصة لأن يسمع الساسة والاقتصاديون ما ينصح به خبراء البيئة وينادون به عبر مؤتمرات قمة الأرض المتتابعة؟
zash113@