الرأي

كيرالا نموذج مثالي في الدفاع ضد كورونا

الدكتور كي. تي. جليل
تتخذ حكومة ولاية كيرالا جنوب الهند عديدا من الاحتياطات للسيطرة على مرض كورونا المستجد كوفيد19، من الانتشار. وأصبحت الولاية أنموذجا مثاليا يحتذي به العالم، وقد أعلنت الحكومة إغلاقها الكامل للولاية من 23 مارس حتى 31 مارس أولا قبل إعلان إغلاقها الحكومة المركزية الهندية، وتستمر في إغلاقها حتى 3 مايو حسب إعلان الوطن، فلن تعمل وسائل النقل العام خلال هذه الفترة والتجمعات العامة مقيدة، وستبقى جميع المؤسسات التعليمية مغلقة حتى القضاء على المرض. وأذكر في أيام هذا الوباء العلاقات الودية الوطيدة بين السعودية وولاية كيرالا، وأشكر جهود خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، ملك المملكة العربية السعودية، رئيس مجلس الوزراء القائد الأعلى لكافة القوات العسكرية، رغم أن جميع كلمات الشكر لا توفيكم ولو جزءا بسيطا من حقكم، وذلك تقديرا لعطائكم الدائم والمستمر في سبيل رفعة بلدنا، والسير بها نحو الأفضل، وأتمنى لكم مزيدا من الإبداع الموصول. الصحة العامة بالولاية أصبح قطاع الصحة العامة بولاية كيرالا من أكثر القطاعات المشهورة في العالم مثل تعليمها العام، فإن صحتنا العامة كانت في حالة من التدهور، ولكن حكومة كيرالا الحالية تحت رئاسة فيناراي ويجايان نجحت في تنفيذ مشاريع مهمة عدة في جميع القطاعات الرئيسية، بما في ذلك هذان القطاعان: الصحي والتعليمي، ونال إنجازا يشبه الحلم في السنوات الأربع الماضية، وحصل هذا الإنجاز الضخم بعد التنفيذ الناجح لتلك المشاريع التي أطلقت تحت إشراف المباشر لرئيس الوزراء. ومن بينها أعلن رئيس وزراء ولاية كيرالا فيناراي ويجيان عن حزمة كبيرة لعلاج هذا الوباء ولاستعداد مراكز العلاج والمستشفيات العامة، فخلص كثير من المصابين بهذا الوباء من المرض بالعناية الكاملة من قبل الحكومة، وتزداد حالة الشفاء من هذا المرض يوما تلو يوم، وأدت الحكومة جميع مهامها بدون أي مساعدة ولا إمداد من المستشفيات التي تعمل في المجال الخاص، وتعد كيرلا أول ولاية هندية تسجل إصابة بفيروس كورونا في يناير الماضي، حيث ظهرت ثلاث حالات إصابة بالفيروس لطلاب عائدين من مدينة ووهان الصينية (بؤرة تفشي الفيروس)، فيما يصل عدد الأموات في الولاية حاليا إلى اثنين فقط ويخضع 139725 لمراقبة صارمة ويوجد 749 آخرون قيد الحجر الصحي في المستشفيات. فالولاية في الرتبة الأولى بالنسبة إلى باقي الولاية الهندية في شفاء المصابين بـ 37 %، حيث إن المتوفين هم الذين تجاوزوا من عمرهم أكثر من 60 سنة، وكان أول شخص يموت من كوفيد 19 رجل من ماتانشيري لديه تاريخ سفر إلى الشرق الأوسط ويبلغ عمره 69 عاما. مبادرة «كسر السلسلة» إن كيرالا سجلت 378 إصابة بفيروس «كورونا» المستجد «كوفيد-19» حتى الآن، وتوفي منهم اثنان فقط، وغالبية الإصابات في الولاية الهندية الجنوبية قادمة أوروبا، وخلال ذلك تم تسجيل 9352 إصابة بالفيروس بعموم الهند، بينهم أكثر من 100 حالة عائدة من البلدان المختلفة، حيث يديرون شركات منسوجات صغيرة ويعيشون في مساكن ضيقة، وتوفي منهم 324 نسمة. أطلقت حكومة ولاية كيرالا مبادرة جديدة تسمى «كسر السلسلة» في 15 مارس، تهدف الحملة إلى تثقيف الناس حول أهمية النظافة العامة والشخصية. في إطار هذه الحملة، قامت الحكومة التي تديرها بيناراي ويجيان بتركيب صنابير المياه في الأماكن العامة، مثل بوابات الدخول والخروج لمحطات السكك الحديدية بزجاجات غسيل اليد، وتنفيذ أمور عدة مهمة أخرى منها: منع دخول الأجانب إليها، وذلك بسبب المخاوف من تفشى فيروس كورونا الجديد، وأن الهند بتعدادها السكاني الضخم ومساحتها الجغرافية الشاسعة وحركة التنقل اليومية الهائلة بين أقاليمها ظلت محصنة طويلا ضد الوباء بالأدوية الهندية المحلية، وأعلنت الهند خاصة بعض ولاياتها عن إغلاقها التام قبل أي بلد، ونفذت الشرطة الأمور بقوة بغض النظر عن مراتب الأشخاص ومكانتهم. ولاية كيرالا تمتلك إمكانات وقائية وعلاجية ولوجستية أفضل من باقي الولايات الهندية، حيث استعملت الحكومة جميع الأقسام لأداء الحجر الصحي بوجه كامل، ولم تمنح الحكومة الإجازة للأطباء وطواقم المستشفى خلال هذه الفترة، ومنع الناس من طلب العلاج للكورونا في المستشفى الخاصة دون المستشفيات الحكومية، واختصت المستشفيات الحكومية الكبيرة لعلاج كوفيد فقط، وأنفذت الحكومة حظر التجول في البلاد حتى لا يمكن اجتماع خمسة أشخاص في مكان واحد، وهذه هي الخطوات المهمة من جانب رؤساء ولاية كيرالا لكسر السلسلة. مزيد من الرعاية والحذر بدأت الحكومة قناة يوتيوب لإطلاع الجمهور على حالة انتشار فيروس كورونا في الولاية واتخاذ الاحتياطات اللازمة، واتخذت مئات من المراكز الهامة لاختبار الإصابة بفيروس كورونا في كيرالا، وفتح دور رعاية بالقرب من المطارات الدولية الأربعة في الولاية في أول الأمر، لاحتواء تفشي فيروس كورونا والسيطرة على حركة المسافرين ووضعهم في حجر صحي بشكل فعال. وقال ويجايان «إننا ندخل الآن مرحلة حاسمة، ونحتاج إلى مزيد من الرعاية والحذر وتوجد بعض الحالات لأشخاص فروا من الحجر الصحي المنزلي وخالطوا آخرين وهو ما يحبط تخطيطنا وتأهبنا، إنها مسؤولية اجتماعية وعلى الجميع الالتزام بتوجيهات مسؤولي الصحة». وأمر بإغلاق المدارس والجامعات ومراكز التدريب حتى تم إغلاق وسائل النقل العام، ولم يُسمح بالسفر من منطقة إلى أخرى إلا مع فحص شامل، وذلك لمنع انتشار الفيروس عن طريق الاتصال المباشر. التغلب على وباء كوفيد أعلن رئيس الوزراء بينارايي فيجايان عن حزمة مالية بقيمة 20000 كرور روبية (2.5 مليار يورو؛ 2.6 مليار دولار) لمساعدة الولاية على التغلب على الصعوبات الاقتصادية الناجمة عن الكوارث والأوبئة، تتضمن هذه الحزمة 500 كرور روبية للرعاية الصحية، و2000 كرور روبية للقروض وحصص الإعاشة المجانية، و2000 كرور روبية لخلق وظائف في المناطق الريفية، و1000 كرور روبية للعائلات التي تعاني من صعوبات مالية، و1320 كرور روبية لدفع المعاشات التقاعدية شهرين مقدما. وفي السنوات الثلاث الماضية، اضطلعت مستشفيات الحكومية بمشاريع إنمائية بقيمة 1500 كرور روبية هندية، إضافة إلى ذلك أنشأت الحكومة 5221 وظيفة جديدة بمن في ذلك 1235 طبيبا و3986 من الطواقم في المجالات الطبية، ومع ذلك تم تفويض كل من القرويات والبلديات مسؤولية تعيين طبيب وممرضة في مستشفياتها برواتب من صندوق الخطة، وقد كانت المستشفيات الحكومية المحلية تعمل في الولاية إلى وقت الظهر فقط، ولكن الحكومة اتخذت خطوات لتمكينهمم من العمل حتى الساعة 6 مساء. إنجازات الحكومة وتوجد في كيرالا 9 كليات طبية حكومية ويعمل فيها 3199 طبيبا و4568 ممرضة ومن الطواقم الطبية، و1635 موظفا طبيا، وفي باقي المستشفيات الحكومية التي يبلغ عددها 1232 مستشفى يعمل فيها 41494 موظفا للخدمات الصحية من الأطباء والممرضات والموظفين والمديرين والصيدليين، وهذه الإحصاءات كلها إضافة إلى عشرات أضعاف جداول الأطباء والموظفين الذين يعملون في القطاع الخاص بالولاية. يعيش في كيرالا 35 مليون نسمة، 8.75 ملايين منهم يمتلكون بطاقة التموين، ويعطون 15 كجم من الأرز مجانا في فترة الإغلاق العام، مع باقي اللوازم الغذائية. سلمت حكومة كيرالا الحالي 200 ألف بيت قبل شهرين لفقراء الولاية وضعفائها تحت خطة بعثة لايف، (Life Mission)، وذلك بصدد أن المسكن اللائق لمستحقيه هو مفتاح التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ومن أهم الإنجازات التي قامت بها الحكومة، أنها غيرت وجه المدارس الحكومية في الولاية على مدى السنوات الثلاثة الماضية، وتم صرف مليارات الروبيات من قبل الحكومة على بناء جميع المرافق بما في ذلك المباني. ومنها الأنشطة المنتظمة في إطار مهمة آردرام (Ardram Mission) وهي إحدى أكبر القفزات في القطاع الصحي، حتى المتشائمون سيعترفون بأن التحركات المنهجية التي اتخذت تحت المراقبة الدقيقة لرئيس الوزراء والقيادة القوية لوزير الصحة، حولت نظام الصحة العامة في ولاية كيرالا المهملة إلى شكل يفوق أي دولة متقدمة. وهذه الولاية هي الولاية الوحيدة في الهند التي تفرض 28 يوما من الحجر الصحي المنزلي، أولا لأولئك العائدين من البلدان المتأثرة بفيروس كورونا، في حين أن المبادئ التوجيهية الوطنية للهند هي 14 يوما، ويُنصح الأشخاص الذين يُنصحون بالحجر الصحي في المنزل بالبقاء في منازلهم لفترة 28 يوما، وإبلاغ سلطات الرعاية الصحية إذا ظهرت عليهم أعراض عدوى فيروس كورونا، واستعدت السلطة لاستقبال القادمين من الإمارات وباقي دول الخليج بعد أن ينتهي الإغلاق، استعدادا تاما بما في ذلك سهولة ملايين الهنديين الذين يعملون في الخارج للحجر الصحي في أقرب مكان منهم. فبينما سجلت آلاف حالات الإصابة ومئات حالات الوفيات في دول بعيدة عن الصين، وذات إمكانات وقائية وعلاجية ولوجستية أفضل من الهند بعشرات المرات، لم تسجل الهند أي إصابة بالوباء المميت إلا في وقت متأخر، وذلك حينما عثر على مصاب بالفيروس في ولاية كيرالا، تبين من سجلات حركته أنه كثير التردد على الصين، ولكن حكومة كيرالا حفظت أهاليها من هذا الوباء بعناية رئيس وزرائها، كما حفظتهم من الأوبئة المشابهة الأخرى مثل إيبولا وسارس وإنفلونزا الطيور وغيرها من تلك التي تفشت خلال العقد الماضي على نطاق عالمي، فلم تكن لها آثار ملموسة في كيرالا.