الرأي

هل كورونا من جند الله؟

عيد الفايدي
منذ الإعلان عن فيروس «كوفيد 19» في شرق الصين، انتشرت مقالات صحفية وتقارير إخبارية، ومقاطع صوتية ومرئية كلها تتناول وباء القرن «كورونا» من زوايا مختلفة، وأدرك العالم المشكلة الصحية الخطيرة لهذا المرض، لكن عمق ذلك الإدراك يتفاوت ويتباين حسب التصور أو الخلفية الثقافية أو الدينية لمرسل التحليل، وظهرت أسئلة كثيرة اختلف أصحاب الرأي حولها، منها على سبيل المثال: هل كورونا مؤامرة؟ وهل هو حرب جديدة أو حرب جرثومية؟ ولكن من الأسئلة التي برزت حولها اتجاهات متضادة هو سؤال: هل فيروس كورونا جند من جنود الله؟

هناك اتجاه يرى أن فيروس كورونا هو فعلا جندي من جنود الله، وأنه جاء ليذكر العباد بالخالق، وأن هذا الفيروس ما هو إلا عقاب من الله ضد السلطات الصينية انتقاما لما حدت لجماعات المسلمين في الصين، ِ وغاب عن ذاكرتهم أن هناك طلابا وتجارا وسفراء وأقليات من المسلمين يعيشون في الصين، وكأن هذا الفيروس لا يدخل الدول الإسلامية، وعندما انتشرت الجائحة في الدول الإسلامية تمسكوا بمبرر آخر، وهو أن ذلك الفيروس ما هو إلا عقاب وتذكير للمسلمين ليعلنوا التوبة ويستغفروا الله من الأعمال الخاطئة التي قاموا بها، واستشهدوا بقول الله تعالى «وما يعلم جنود ربك إلا هو وما هي إلا ذكرى للبشر» (31) سورة المدثر.

أما الاتجاه الآخر فيرى أن هذا الفيروس ليس جنديا من جنود الله، وطالب أصحاب الرأي الأول بالدليل والإثبات العلمي المقنع، خاصة أن هذا القول على أمر غيبي لا يعلمه إلا الله عز وجل، بل هو وباء يجب القضاء عليه والتصدي له، واستشهدوا أيضا بالآية الكريمة السابقة نفسها.

وعند تتبع أسلوب الاستشهاد بالآية أو الآيات الكريمة تجده متشابها، فهذا الكاتب أو ذلك لا يتعامل مع النص القرآني بوضعه بين قوسين أو إشارة بأنه يتعامل مع قول الله عز وجل، أو يكتب اسم السورة ورقم الآية، أو يقول إنه قرأ تفسيرا لهذه الآية وهو يستنبط من ذلك التفسير، بل يصدر رأيه بعد الآية مباشرة، ولا يشير من قريب أو بعيد إلى مرجع أو مصدر علمي!

والكاتب المتميز يدرك تماما أن التعامل مع الآيات القرآنية ليس مثل التعامل مع المعلومات الأخرى، والاستشهاد بالآيات القرآنية حتى يكون سليما ومناسبا لا بد من الرجوع إلى مصادر التفسير المعتبرة، ولا يقوم الكاتب بعملية إسقاط أو تأويل لقول الله تعالى، خاصة إذا أدرك القارئ والكاتب معا أن الآيات القرآنية فيها ناسخ ومنسوخ ومطلق ومقيد ومحكم ومتشابه، وغير ذلك من مفاهيم ومصطلحات وردت في كتب علوم القرآن الكريم، والرجوع لمصادر التفسير فيها بيان للمعنى والمقصود بالآية، وإيضاح للأحكام حتى يتضح الشاهد من إيراد الآية في النص.

والجميع يعرف أن القرآن الكريم نزل باللسان العربي الواضح، إلا أن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يسألون النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك يسألون الصحابة المشهود لهم بالتفسير، مثل عبدالله بن عباس رضي الله عنه وغيره، والآن في هذا العصر - والحمد لله - توفرت جميع كتب ومصادر التفسير في شبكة المعلومات، والتي فيها مواقع علمية متميزة مثل الموقع الالكتروني لمطبعة المصحف بالمدينة المنورة وموقع المكتبة السعودية الرقمية، وغيرها من مواقع الجامعات والمراكز العلمية.

ولا يخفى حرص أصحاب القلم السديد على التعامل مع آيات القرآن الكريم بعلم ودراية، مع البعد التام عن التأويل الذاتي أو الإسقاط غير المقصود، لكن الأهم توظيف الاستشهاد بالآية القرآنية، من خلال ما توصل إليه المفسرون الثقات ليكون الربط بين الآية الكريمة والحدث بطريقة علمية سليمة، بعيدا عن الخلل أو الإشكال.

ealfaide@