الرأي

إدارة المخاطر.. درس جائحة كورونا

محمد العطية
لعل الانتشار الوبائي عالميا لمرض كورونا جعل العالم كله يستشعر الخطر، بل يواجهه، ومن البديهي أن يتحول الخطر إلى أزمة تصعب السيطرة عليها بسبب عدم الاستعداد المسبق للمخاطر المحتملة، بل إن فاتورة إدارة الأزمة سوف تكون باهظة الثمن عندما يقع الخطر على حين غرة (خسائر بشرية ومادية)، بسبب عدم وجود استراتيجية وطنية لمواجهة المخاطر.

وهذا يقودنا إلى النظرة الشمولية للمخاطر الوطنية المحتملة، التي يجب تحديدها ومعالجتها من خلال وحدات تنظيمية إدارية احترافية، هذه الوحدات يجب أن تكون أحد مرتكزات البناء التنظيمي لكل الوزارات والهيئات الوطنية، وتنضوي تحت مظلة عليا للمخاطر الوطنية.

إن المخاطرة عبارة عن ربط بين احتمال وقوع حدث والآثار المترتبة على حدوثه، والذي تتطلب إدارته وجود تنظيم متكامل يهدف إلى مجابهة الخطر بأفضل الوسائل وأقل التكاليف.

و كما جرى التركيز على مجابهة مخاطر الهجمات الالكترونية (الأمن السيبراني) على الشبكات والأنظمة الالكترونية لأهميته، فإنه يجب أن لا نغفل عن المخاطر الكبرى ذات العلاقة المباشرة بحياة ومعيشة المواطن واستقلالية الوطن.

وهذا يقودنا إلى تصور ماهية المخاطر الوطنية المحتملة ومستوياتها، ومنها:

1 - مخاطر على المستوى الوطني وتنقسم إلى:

- مخاطر من الخارج (عابرة للحدود) مثل الحروب، القرارات الدولية المضادة للوطن (الحصار)، قطع العلاقات مع آي دولة، الهجمات الالكترونية.. إلخ.

- مخاطر عالمية، وهي المخاطر التي تحدث في الخارج ويمتد أثرها إلى الداخل، مثل وباء كورونا.

- مخاطر من الداخل (الإخلال بالسلم والأمن).

- مخاطر الكوارث الطبيعية (الزلازل، البراكين، الفيضانات، الحرائق).

2 - مخاطر على مستوى اختصاصات الوزارات والهيئات الوطنية، والتي يجب تحديدها من خلال إدارات المخاطر المختصة في البناء التنظيمي لهذه الوزارات والهيئات.

3 - مخاطر حرجة مشتركة (تحت مظلة أكثر من جهة) أو أكثر من خطر لأكثر من جهة. مثل سلاسل الإمداد.

ولنستشعر المخاطر دعونا نسأل أنفسنا بعض الأسئلة:

السؤال الأول: ماذا لو امتنعت كل الدول عن التصدير إلى المملكة لأي سبب كان؟

السؤال الثاني: ماذا لو مُنعت المملكة من التصدير لأي سبب؟

السؤال الثالث: ماذا لو منعت المملكة من الاستيراد لأي سبب؟

السؤال الرابع: هل لدينا موارد محلية نستطيع الاعتماد الذاتي عليها؟ ماذا لو كانت الإجابة: لا؟

السؤال الخامس: هل نزرع كل المحاصيل الزراعية؟ وهل لدينا ثروة حيوانية كافية؟ هل لدينا صناعات دوائية وطبية؟ هل لدينا صناعات عسكرية للدفاع عن أنفسنا؟ هل نصنع كل ما نستخدم؟ ماذا لو كانت الإجابة: لا؟.. وتستمر الأسئلة؟

الإجابة عن هذه التساؤلات تقودنا إلى أهمية التخطيط الاستراتيجي بعيد المدى لكل هذه المخاطر، لكي تكون قوة تحملنا عند حصول أي منها لأي سبب عالية جدا، بل نستطيع تحويل هذه المخاطر ونقاط الضعف إلى فرص ونقاط قوة، وعدم الركون إلى مفهوم العولمة التي نحن جزء منها، ولكن عند الشدائد الكل ينكفئ على نفسه ويحافظ على مصالحه الذاتية، ولعل درس كورونا خير مثال على ذلك عندما امتنعت دول كثيرة عن تصدير بعض الأجهزة والمعدات الطبية، ولم تبال بدول أخرى تئن من المرض.

ولكي نبني ونفعل الخطط الاستراتيجية الشاملة، لا بد أن يكون لدينا إدارات احترافية لديها القدرة على ما يلي:

- القدرة على تحديد المخاطر المحتملة بمختلف المستويات.

- معرفة الأثر الذي قد يجلبه كل نوع من المخاطر أو مجموعة من المخاطر.

- وضع خطط الاستجابة بمختلف أنواعها ومستوياتها (تجنب الخطر، تخفيف الخطر، قبول الخطر، نقل الخطر، استغلال الخطر).

- وضع خطط استجابة ثانوية ناتجة عن تنفيذ خطط الاستجابة الرئيسية.

- تجنيب الاحتياطات المالية المترتبة على تنفيذ خطط الاستجابة والآثار المترتبة على ذلك.

- وضع اختبارات مسبقة (اختبارات الضغط) للتأكد من القدرة على تطبيق تدابير استباقية، قبل أن تتفاقم المخاطر وتصبح خارج السيطرة، وتصبح هذه الاختبارات أداة رقابية لتعزيز سرعة الاستجابة للمخاطر وتحديد مستوى تحمل المخاطر.

- مراقبة المخاطر ومتابعتها دوريا.

كما يجب أن تكون خطط الاستجابة لكل هذه المخاطر المحتملة بأكثر من سيناريو (سيناريو أساس، سيناريو صدمة متوسطة، سيناريو صدمة شديدة)، كما يجب أن يكون هنالك احتياطات مالية مرصودة مسبقا لتنفيذ خطط الاستجابة ومعالجة آثار هذه المخاطر، كما يجب أيضا أن نطور بروتوكولات إدارة الأزمات لكل نوع من المخاطر المحتملة، وندرب اختصاصيين في إدارة المخاطر والأزمات ليصبح لدينا خبراء في مجابهة المخاطر مع تنسيق الجهود وتوحيدها بين جميع الجهات الحكومية والخاصة.

مؤخرا أنشأت المملكة وحدة حديثة تحت مسمى هيئة المخاطر الوطنية، لذا نتطلع إلى تفعيل هذه الوحدة بشكل احترافي، لتضع خطة شاملة لمجابهة المخاطر المحتملة التي تهدد الوطن بأكمله أو جزءا منه، من خلال سنّ أنظمة وقوانين وتشريعات قوية لمجابهة مختلف المخاطر، ولعل الظرف الحالي «درس كورونا» يؤكد الأهمية القصوى لإدارة المخاطر والتحوط المصاحب لها، خاصة لمن كان يشكك في وقوع المخاطر ولا يضعها ضمن أجندته.

project2pmp@gmail.com