الرأي

متلازمة الوضع الراهن في القرار الأكاديمي

بندر الزهراني
في الغالب عندما نريد اتخاذ قرارات حاسمة ونتوقع أن يكون لها تأثير مباشر، وصدى واسع، نسعى لأن نكون عقلانيين وموضوعيين إلى حد كبير، ولكن هذه الحالة المثالية لا تتحقق معنا دائما، حتى ولو أن النية كانت في أصلها سليمة، لأن الجزاء عند البشر لا يكون إلا على النتائج، لا على النيات، كما يقول شيشرون، ولأننا بشكل أو بآخر، شئنا أم أبينا، سنجد أنفسنا تميل نوعا ما إلى القرارات التي تكون نتائجها أقرب ما تكون إلى الواقع الذي نعيشه، والوضع الراهن الذي نحن عليه، لا إلى المنطق أو الموضوعية أو حتى درجة معينة من المثالية، وهذا الأمر بطبيعته يتفاوت من شخص لآخر، ويختلف من جهة إدارية لأخرى.

هذا الجبن - إن جاز الوصف - في اتخاذ القرار العقلاني ناتج عن التحيز العشوائي أو المقصود لوضع راهن لا نرغب في التحول عنه، خشية حدوث ما لا نتوقعه، أو نحسب له حساباته وتبعاته، وهذه الحالة ملازمة لكثير من القيادات العليا في الجامعات المحلية، وللمسؤولين وصناع القرار الأكاديمي، بل إنه من النادر والنادر جدا أن نجد قائدا أكاديميا وقد نجا أو تخلص من هذه المتلازمة ومن آثارها عند اتخاذه للقرارات الأكاديمية الحساسة والمهمة.

قرار كقرار استمرار العملية التعليمية في الجامعات المحلية في أجواء الحظر الصحي الذي تعيشه المملكة ما هو إلا مثال للقرار المتأثر بالتحيز المقصود للوضع الراهن، بمعنى أن القرار حينما وضع على الطاولة أمام المسؤولين ضمن مجموعة من البدائل كان هو القرار الأمثل من وجهة نظرهم، فهو الأقل تكلفة وخطورة عليهم، لأن فيه اتساقا واتفاقا مع الوضع الحالي، وهو استمرار الدراسة، فإن صادف ولقي قرارهم استحسان مسؤولي الدولة ورضا الناس فنعمّا هو، وإن خالف رضا أحدهما أو كليهما فالوضع لم يتغير وهو باق على ما كان عليه، ولسان حالهم عندئذ يقول: بذلنا ما بوسعنا ولا تثريب علينا إن أخطأنا، فاللوم بعد الاجتهاد في حكمنا بدعة!

الواقع يقول إن متلازمة الوضع الراهن ليست جديدة أو طارئة على الإدارة الأكاديمية المحلية، بل ربما هي الأكثر شيوعا وانتشار في جامعاتنا، فعلى سبيل المثال تعيين مديري الجامعات ووكلائهم ورؤساء الأقسام يأتي متحيزا في الغالب بسبب هذه المتلازمة، مع أن المسؤول عندما يتحدث عن سياسات إدارته فإنه أول ما يبشر بالتغيير والتطوير، ولكنه أول من يصاب بمتلازمة الوضع الراهن، فتجده يحافظ على الرموز الإدارية العتيقة، لا لقيمتها الإدارية أو جودة عملها، وإنما خوفا من أن يحدث أمرا قد ترتد آثاره على هذا المسؤول أو ذاك، أو من باب سد الذريعة، وعلى رأي المثل الحجازي الدارج «خليك على قردك لا يجيك أقرد منه» فتفشل القرارات الأكاديمية، وتذهب ريحها، وتسقط منظوماتهم ومواءماتهم واستراتيجياتهم بسقوطها في شباك هذه المتلازمة الأخطبوطية!

يقول أحد الزملاء إنه ومجموعة من زملائه ذات مرة، على هامش أحد اللقاءات، قابلوا وكيل جامعة محلية، ودار بينهم وبينه نقاش عام حول بعض القضايا الأكاديمية، وأن حديثه معهم كان شيقا وماتعا، ويبرهن على خبرته الطويلة في التعامل مع المشاكل الجامعية الطارئة وذات الطابع المعقد، ثم يقول: وكنا أثناء اللقاء نسأله على استحياء، لماذا لا تنعكس هذه الخبرة والجودة الإدارية العالية لديه على مستوى الجامعة ككل! فكانت إجاباته تكاد أن تكون واحدة، وتتمحور حول صعوبة التغيير ما دام أن الأوضاع الراهنة سائرة بشكل جيد، بمعنى آخر نستطيع القول إن متلازمة الوضع الراهن أنتجت إدارات تجيد تصريف الأعمال، وتفشل في إدارة الابتكار والإبداع!

ولعل التساؤل الذي يتبادر إلى الأذهان بعد هذا التشخيص كله هو: هل بمقدورنا التخلص من متلازمة الوضع الراهن في الإدارات الأكاديمية؟ الجواب بالطبع نعم، نستطيع فعل ذلك، إن وجدت العزيمة وكانت الرغبة الصادقة في الشفاء من هذا الوباء، ولكننا في كل الأحوال بحاجة لنوعية خاصة من القيادات الأكاديمية، لديها القدرة على رؤية ما بعد الواقع، وبالتالي صناعة أو رسم ملامح المستقبل، وعندئذ ستكون الجامعات ليست مجرد محاضن لتفريخ فلاسفة صنع القرار وحسب، بل مدارس تطبيقية في فن اتخاذ القرارات!

drbmaz@