الرأي

ألف مبروك

محمد أحمد بابا
في مثل هذه الأوقات من السنة يزيد معدل استهلاك كلمة «مبروك» لمناسبات وأخبار مفرحة لأصحابها وأصدقائهم، وغالبا تستخدم بدافع جميل ومشاعر متألقة بأن تكون النعمة التي رزقها الشخص فيها من البركة ما يرضيه، فاتحة خير وواسطة فضل وخاتمة سعد، ولا أحسن من سماع كلمة «مبروك أو مبارك» من الأحباب والأهل والخلان. يخشى المتشائمون من عواقب الأمور الجميلة، ولا يصدقون أنفسهم في ثوب النجاح، وفي ختام جلسة الضحك والابتسام «والفرفشة» يقولون: اللهم اجعل عاقبته خيرا، متوجسين من منطق: أن بعد الفرح مصيبة، وبعد الابتسام بكاء، وبعد الزواج طلاق، وبعد الولادة موت وبعد السراء ضراء، فيكون الحذر من القادم مسيطرا على آخر الشعور بالسرور، وهو القادم من بعيد بعد صمت المباركين. مواعيد العطل الدراسية مواقيت للأفراح، واستعدادنا لتدوير كلمة «مبروك مبارك» يكون قبل حلول موعد أي مناسبة بوقت قصير، وهذا جعلها كلمة باقية في مصطلحاتنا حتى اليوم، لم تفقد قيمتها ولا رونقها ولو كررت آلاف المرات أو قيلت لآلاف الأشخاص، وهي رغم قلة حروفها وسهولة نطقها حتى على الصغار والأعاجم مدعاة لظهور الابتسامات ولو كانت من وجوه مزيفة، فسحرها ظاهر وأثرها سريع. هذه الرغبة في كلمة «مبروك» تظهر مدى حاجتنا للشعور بالبركة والاستقرار في النعم، ونعتبرها صمام أمان من الزوال أو تغير الحال، شاعرين بأن التلفظ بها للاطمئنان بأن لا حسد ولا حنق من الناس لنعمة جديدة، وتخدرنا هذه الكلمة بصفائها من تذكر سوء تسبب فيه أحد لنا طالما قال لنا «مبروك» أو كلف نفسه مكالمة أو رسالة تحمل كلمة «مبارك» فالمباركة تجب ما قبلها. مبروك لمن تزوج ولمن سيتزوج ولمن خطب ولمن يتهيأ لذلك، ومبارك لمن نجحت ولمن تفوقت ولمن تخرجت ولمن حصلت على درجة عليا، ومبروك لمن صدر قرار تعيينه ولمن استلم خطاب ترقيته ولمن أخذ شهادة تقدير بعد تقاعده، ومبارك لمن أنجبت ولدا ولمن رزقت ببنت ولمن أنعم عليها بتوأم ولمن أشرفت على طهور ابنها، ومبروك لمن بنى بيتا ولمن وجد شقة مناسبة له ولمن وصله خبر أن قرض الإسكان سيأتيه ولمن اشترى أرضا أو منح قطعة من فضاء الله الواسع، ومبارك لمن فازت بجائزة ولمن كانت من المكرمات في دائرة ولمن أبدعت في هواية ولمن انتصرت في مسابقة، ومبروك لمن رأى أبناءه صالحين بارين متفوقين ولمن رأى من الناس تقديرا استحقه ولمن سمع من والديه دعاء رضا، ومبارك لمن استقبل رمضان وصام واعتمر وتهيأ لعيد الفطر وعزم الحج بتصريح. تثلج الصدر الأخبار المفرحة، وتقبع في النفس كدرة أن في العالم من هو مريض أو محتاج أو معاق أو مسجون أو مديون، وتزف القلب إلى الطيران مفاجآت الأولاد وإبداعات الإخوان وإنجازات الآباء ورسائل الأحباب ووصول الغائبين ورجوع المهاجرين وعودة العلاقات، وتحز في الخاطر قطيعة الرحم وفشل الشباب وفراق الخلان وغضب الأم ونهر السائل وظلم اليتيم، وتعود الأرواح لتفرح حقا بتفريج الكربات وانقضاء الأزمات وذهاب المصائب وشفاء الأدواء واستلام الرواتب وقبض الجمعيات وأخبار التخفيضات وفوز المنتخبات، ولكن البركة في الرزق والعمر والعلم والعمل والبدن والذرية والأهل والبلد هي رأس هذه النعم وأساسها ولا يكفي منها إلا ألف مبروك. كل هذا التنقيب عن البركة يمثل طبيعة إنسانية تتطلع لمستقبل أفضل في أوقات الفرح، فما بالك بأوقات الأتراح، والنزعة النفسية نحو الاطمئنان على الغد مرجعها الخوف من تقلب الأحوال، فلا راحة في نعمة بعدها مصيبة، ولا استمتاع بحظ سيزول، لذلك نتمنى البركة وندعو بالبركة ونؤمن لمن دعا لنا بالبركة. اللهم اجعلنا مباركين.