الرأي

بروباغندا حتى في الأوقات الحرجة!

بندر الزهراني
في اليومين الماضيين تواصلت معي إحدى الصحف المحلية تسألني عن رأيي حول إصرار وزارة التعليم على مواصلة واستمرار العملية التعليمية، وكعادتي فيما أطرحه من آراء وأفكار التزمت بالوضوح والشفافية، وذكرت لها: أنني من منطلق العدل والإنصاف لا أحبذ الانسياق مع التيار النقدي المندفع والمتحمس لكل ما يقال من نقد لما تقوم به وزارة التعليم، ولما تقدمه من إجراءات احترازية تحد من خطر تفشي جائحة كورونا، والتي هي في الواقع ليست جائحة محلية، وإنما جائحة اكتسحت العالم بأسره، وجعلته رهن خططه وحبيس استراتيجياته، ولكنني في الوقت نفسه قلت وبوضوح أيضا: إنني لا أرى فائدة أو جدوى من استمرار التعليم عن بعد، طالما أن آلياته وأدواته ما زالت بحاجة لإعادة نظر، وإن الأولى بالوزارة بعد قرار التعليق وإخفاق الأنظمة الالكترونية في الجامعات كليا أو جزئيا؛ إنهاء الفصل الدراسي فورا.

ومن المفارقات الغريبة والعجيبة أنه قبل شروعي في كتابة مقالي هذا، وصلتني نسخة من قرار الوزارة المتضمن الموافقة على تأجيل الفصل الدراسي الحالي للطلبة المبتعثين في الخارج، والمفارقة هنا أن سبب التأجيل هو عدم وجود فائدة أو مردود علمي جراء توقف الدراسة، وأن بقاء المبتعثين في منازلهم والاكتفاء بالتعليم عن بعد ليس ذا جدوى! فإذا كان هذا هو الحال مع الطلاب المبتعثين وهم يدرسون في أرقى وأهم الجامعات العالمية فما بالكم بوضع طلابنا في جامعاتنا المحلية! إما أن يكون التعليم عن بعد في جامعاتنا أفضل مما هو عليه في الجامعات العالمية، ولو صح هذا الافتراض لانتفت ضرورة الابتعاث، أو أن هذا غير صحيح، وهو الأرجح، إذن فإن الوزارة والجامعات قد وقعت في تناقض مثير للشفقة والرحمة!

على حد علمي المتواضع أن التناقض في الأقوال والأفعال عادة ما يخلق نوعا من الجدل، والجدل يخلق موضوعا، وهكذا، إلا أن التناقضات الحالية في القرارات الإدارية المتعلقة بالعملية التعليمية لا تخلق إلا وهما واستعراضا لا معنى له، كيف؟

سأقول لكم كيف، ولكن دعوني قبل ذلك أعطيكم مثالا واحدا على «البروباغندا» المنتشرة هذه الأيام لتحسين صورة ما يسمى بالتعليم عن بعد لدى جامعاتنا الموقرة. قبل أيام نشرت بعض مواقع التواصل الاجتماعي «الاستعراضي» خبرا يفيد بأن جامعتين محليتين قد وقّعتا اتفاقية تعاون بينهما في مجال التعليم الالكتروني، وأظهر الخبر مسؤولي الجامعتين وهم يوقعون عن بعد الاتفاقية التاريخية! التي لا بد أن تكون اضطرارية وطارئة! مع العلم أن طلاب الجامعتين يتضورن ألما ويتشظون أملا كي تكتمل محاضرة واحدة تقدم لهم عن بعد!

أظنني الآن بعد هذا المثال الذي عرضته عليكم قد أجبت عن سؤال «كيف» ولا حاجة لي للعودة إليه، ولكن لماذا ولمصلحة من يتم استغلال هذه المرحلة الحرجة التي تمر بها الحركة التعليمية الجامعية؟ والجواب لا نحتاج مجهودا خارقا للعرف والعادة حتى نتعرف عليه، إطلاقا، فالمستفيد الوحيد من هذه الدعايات والترويج الإعلامي هو الإداري غير الكفء، ذلك الإداري الذي لا هم له إلا مصلحته الشخصية والحفاظ على منصبه ومكانته الوظيفية، وما عدا ذلك كله غاية، والغاية عنده تبرر الوسيلة.

وقلت إن الإصرار على إبقاء الاختبارات النهائية في موعدها المحدد في شهر رمضان، والاستمرار في العملية التعليمية عن بعد، هكذا كيفما اتفق، وفي ظل معطيات الواقع، وضعف القدرات الالكترونية لدى عمادات التقنية في الجامعات المحلية، وكذلك غياب الوعي التقني لدى بعض الطلاب، هو بلا شك نتيجة منطقية لغياب الرؤية الواضحة في التخطيط، فالوزارة نفسها لم تكن على علم كاف بمدى جهوزية الأنظمة الالكترونية في الجامعات، ولم تشخّص جيدا علاقة الطلاب بأدوات التعليم الالكتروني، ولو أنها علمت بذلك ووقفت عليه ابتداء لربما رأت في إنهاء الفصل الدراسي حلا مناسبا، وبديلا أمثل عن الاستمرار في العملية التعليمية!

drbmaz@