موضوعات الخاصة

كيف صار "الشيطان الأصغر" صديقا لإيران؟

روسيا استخدمت قوتها العسكرية لضربها ثم عادت لحكمة "عدو عدوك صديقك" وافقت على بناء مفاعل بوشهر النووي بعد خروج ألمانيا.. ومدتها بنظام دفاع جوي ساندت صدام حسين في حربه ضد طهران وتغير الوضع مع بوتين 4 مراحل رسمت تطور العلاقات من العداوة إلى الصداقة بين البلدين

أسرعت روسيا لنجدة النظام الإيراني، وحث وزير خارجيتها سيرجي لافروف مع نظيره الإيراني محمد جواد ظريف أمس، على ضرورة رفع العقوبات الأمريكية سريعا، رغم أنها الدولة نفسها التي وصفها آيه الله الخميني قبل 40 عاما بأنها «الشيطان الأصغر»، على اعتبار أن الولايات المتحدة الأمريكية هي الشيطان الأكبر.

لا يعد الأمر غريبا لكل من يقرأ العلاقات الايرانية الروسية، وكل من يتعمق في الصراع الأمريكي الروسي في المنطقة، الذي يجعل كليهما يؤمن بالحكمة الشهيرة «عدو عدوك صديقك»، فكلاهما يملك هدفا واحدا، وهو إسقاط وهزيمة الولايات المتحدة الأمريكية.

ورغم أن روسيا استخدمت قوتها العسكرية في قمع الثورة الدستورية في إيران قبل 110 أعوام تقريبا، إلا أنها في السنوات الخمس الأخيرة تحولت إلى حليف موثوق به، وفقا لمعهد الولايات المتحدة للسلام، بل والداعم الأكبر لتجاوز العقوبات الأمريكية والالتفاف عليها، وبناء قدرة إيران النووية للوقوف في مجابهة أمريكا.. قصة طويلة من التعاون القائم على حسابات خاصة جدا.

مساندة كاملة

المشهد الأخير في العلاقة بين الإيرانيين والروس حدث قبل ساعات قليلة، عندما أصدرت وزارة الخارجية الروسية بيانا أكدت خلاله التنسيق الكامل للوقوف مع إيران لمواجهة التحدي العالمي المتمثل في فيروس كورونا المستجد. وقالت الوزارة إن لافروف وظريف نسقا «الإجراءات والمبادرات ذات الصلة في إطار منصات المنظمات الدولية، بما في ذلك الأمم المتحدة».

وشدد لافروف على أن روسيا «تدعو بإصرار» الولايات المتحدة إلى «الرفع الفوري لعقوباتها غير الإنسانية، التي تمنع حكومات الدول المستهدفة من مكافحة COVID-19 بشكل كامل»، مؤكدا أن الجانب الروسي ينوي مواصلة التطوير الشامل للعلاقات التجارية الاقتصادية الروسية الإيرانية والمشاريع الاستثمارية المشتركة.

لم يتوقف الأمر عند ذلك، بل إن البيان الروسي وصف إيران بـ»الجارة الحسنة»، مشدددا على ضرورة «الإسهام في زيادة تحتاجها جارتنا الحسنة بشدة لصادرات المنتجات الزراعية، في ظل الضغط الناجم عن العقوبات الأمريكية أحادية الطرف».

دعم نووي

تغير الوضع تماما بداية من عام 1989، حيث وافقت روسيا على استكمال المفاعل النووي في بوشهر، والذي بدأته شركة سيمنز الألمانية خلال الحكم الملكي، لكنها توقفت بعد ثورة 1979، وبدأت روسيا أيضا في بيع الأسلحة، بما في ذلك الصواريخ إلى إيران. ودعم كلا البلدين تحالف الشمال المعارض ضد طالبان في التسعينات. وإلى جانب الصين، حاولت روسيا إضعاف وتأجيل الجهود الأمريكية والأوروبية لفرض عقوبات الأمم المتحدة على إيران بسبب برنامجها النووي.

ومع ذلك، لا يزال عدد من القضايا يسبب أزمات بين البلدين، حيث تأخر استكمال بناء روسيا لمفاعل بوشهر عن الموعد المحدد، ووافقت موسكو على بيع نظام الدفاع الجوي S-300 إلى إيران لكنها ألغت الصفقة عام 2010. وعلى الرغم من أن موسكو نقضت هذا القرار في 2015 فليس من الواضح على الإطلاق متى أو حتى ما إذا كانت ستتلقى طهران هذه الأسلحة الروسية بالفعل. بالإضافة إلى ذلك لم يتمكن البلدان من حل خلافاتهما حول كيفية ترسيم حدود بحر قزوين، مما يؤثر على تقسيم كل شيء من موارده النفطية إلى الكافيار، حسب تقرير معهد الولايات المتحدة للسلام.

حرب ثم وفاق

العلاقات بين روسيا وإيران كانت صعبة منذ فترة طويلة. وتعود التوترات إلى أوائل القرن التاسع عشر، عندما فقدت إيران أراضيها أمام الإمبراطورية الروسية، وتدخلت روسيا القيصرية عسكريا ضد الثورة الدستورية الإيرانية 1905-1911، ودعم الاتحاد السوفيتي انفصال «جيلان سوفيتي» في شمال غرب إيران في نهاية الحرب العالمية الأولى، وفي أذربيجان وكردستان الإيرانية في نهاية الحرب العالمية الثانية.

ورفض جوزيف ستالين في وقت لاحق سحب القوات السوفيتية، مما أدى إلى واحدة من الأزمات الأولى في الحرب الباردة. وأغضب الدعم السوفيتي الحزب الشيوعي الإيراني. وسلح الاتحاد السوفيتي العراق وساعده خلال حربه مع إيران(1980-1988). وتسببت هذه الأحداث لفترة طويلة في عدم ثقة طهران في موسكو.

تطور العلاقات

- في عام 2014، نشر مركز بيو للأبحاث نتائج استطلاع للرأي أظهر أن 44 % من الروس لديهم وجهة نظر إيجابية تجاه إيران، وأن 35% لديهم رأي غير موات.

- بلغت قيمة صادرات الأسلحة الروسية إلى إيران 22 مليون دولار فقط في عام 2013، و4 ملايين دولار في عام 2014، وفقا لمعهد ستوكهولم الدولي لبحوث السلام. في المقابل بلغت قيمة صادرات الأسلحة الروسية إلى العراق 51 مليون دولار في عام 2013 و 317 مليون دولار في 2014.

- زار وزير الدفاع الروسي سيرجي شويغو طهران في يناير 2015 ووقع اتفاقية تعاون عسكري مع نظيره الإيراني حسين دهغان.

الأطراف المؤثرة

ـ اللاعب الأكثر أهمية في السياسة الخارجية الروسية تجاه إيران هو الرئيس فلاديمير بوتين، فمنذ بداية الأزمة على أوكرانيا نظر بوتين إلى أمريكا كعدو. حتى إذا تم التوصل إلى اتفاقية نووية إيرانية وتنفيذها، فإنه يريد أن تظل العلاقات الروسية الإيرانية قوية بما يكفي لمنع الأخيرة من التعاون مع أمريكا.

ـ تشمل المنظمات المهمة التي تسعى إلى صياغة السياسة الروسية بشأن إيران: روسوبورون إكسبورت، الوكالة الروسية لتصدير الأسلحة التي تبيع الأسلحة لإيران، اتوم ستروي إكسبورت «المصدر الروسي لمعدات الطاقة الذرية، والذي أتم أخيرا مفاعل بوشهر النووي»، غازبروم، وهي شركة ترغب في الاستثمار بمشاريع النفط والغاز الإيرانية.

المرحلة الأولى (1979-1989)

تزامنت مع حكم آية الله الخميني، وكانت صعبة للغاية، حيث نظرت طهران إلى موسكو على أنها معادية. وفيما وصف الخميني الولايات المتحدة بـ «الشيطان الأكبر»، أطلق على الاتحاد السوفيتي «الشيطان الأصغر»، واعتبر أيديولوجيته ملحدة. وكانت الشيوعية أيضا بمثابة لعنة للثوار، وكثيرا ما قال الخميني إن إيران يجب أن تتماشى مع المقولة «لا الشرق.. ولا الغرب».

دفعت إيران ثمنا باهظا خلال الاحتلال السوفيتي لأفغانستان الذي دام عقدا من الزمن، عندما استوعبت حوالي مليوني لاجئ فروا من النزاع. وكانت الأسلحة السوفيتية محورية لحملة الرئيس العراقي صدام حسين العسكرية التي استمرت 8 سنوات ضد إيران. وخشيت موسكو بدورها من أن تنتشر أيديولوجية إيران في جمهورياتها، بما في ذلك بعض المناطق التي تحد إيران، وكان الاتحاد السوفيتي أحد أكبر الأماكن التي تضم سكانا مسلمين في العالم.

المرحلة الثانية (1989-1999)

فترة ودية نسبيا، حيث تابع الرئيسان ميخائيل جورباتشوف وبوريس يلتسين التقارب مع طهران، وخفت حدة التوتر بعد أربع نقاط تحول في أواخر الثمانينات:


  • انتهت الحرب العراقية الإيرانية عام 1988.


  • توفي الخميني في منتصف عام 1989.


  • انسحب الاتحاد السوفيتي من أفغانستان في أوائل عام 1989.


  • انهارت الشيوعية في أوروبا الشرقية في وقت لاحق من ذلك العام.




وبدأت التحولات في العقد الأكثر ودية على الإطلاق في العلاقات الروسية الإيرانية، وشرعت موسكو في بيع الأسلحة إلى طهران ووعدت بإكمال مفاعل بوشهر النووي غير المكتمل. وبعد سنوات من محاولة تصدير أيديولوجيتها اختارت طهران عدم الانحياز خلال حرب موسكو الأولى مع الشيشان بين عامي 1994 و 1996. وعبرت إيران بوضوح عن دعمها لوحدة أراضي روسيا في مواجهة الحركات الانفصالية.

في منتصف التسعينات عملت روسيا وإيران لإنهاء الحرب الأهلية التي اندلعت في 1992-1997 في طاجيكستان، وأيدت إيران الهدنة التي فضلت حلفاء موسكو، كما دعم البلدان القوات الأفغانية المعارضة لطالبان.

المرحلة الثالثة (1999-2013)

تقلبت بين الخصومة والصداقة، وبدأ الأمر بعد وقت قصير من تولي فلاديمير بوتين منصبه عام 1999، وبدا في البداية وكأنه قد يؤدي إلى تحالف روسي - رسمي أو غير رسمي. رفض بوتين علنا اتفاق غور تشيرنوميردين في أكتوبر 2000، ثم أعلنت موسكو عن بيع أسلحة جديدة إلى طهران، فضلا عن التزام روسي جديد باستكمال مفاعل بوشهر. وفي مارس 2001 أصبح محمد خاتمي أول رئيس إيراني يزور روسيا منذ الثورة الإسلامية عام 1979.

في 2005، رحبت موسكو بانتخاب محمود أحمدي نجاد كرئيس جديد لإيران، متوقعة أن وجهات نظره المتشددة المناهضة للولايات المتحدة ستمنع التقارب مع واشنطن، لكن نظرة الرئيس الجديد لم تترجم إلى تعاون أكبر مع موسكو.

دفعت روسيا مرارا لتخفيف أو إرجاء سلسلة من قرارات عقوبات الأمم المتحدة ضد إيران منذ عام 2006، لكن طهران كانت غاضبة من أن موسكو صوتت بالموافقة على أي عقوبات ضد إيران عندما كان بإمكانها الاعتراض عليها. ويبدو أن الدبلوماسية الروسية مصممة على إبلاغ طهران بأن موسكو يمكن أن تحمي إيران من الغرب إذا تعاونت معها، ولكن أيضا يمكن لروسيا أن تقف إلى جانب الغرب ضد إيران إذا لم تفعل ذلك. وكانت طهران منزعجة بشكل خاص عندما ألغيت في 2010 صفقة بيع أنظمة صواريخ الدفاع الجوي إس -300 إلى إيران.

المرحلة الرابعة (من 2013 وحتى الآن)

بدأت بانتخاب حسن روحاني وتفاوض طهران مع القوى الست الكبرى في العالم حول القضية النووية.وتميزت هذه المرحلة بالتدهور الحاد في العلاقات الروسية مع الغرب، بدءا من ضم موسكو لشبه جزيرة القرم في أوائل عام 2014. وأدى هذا التوتر إلى قلق موسكو حول إمكانية التقارب الإيراني الغربي في وقت تتزايد فيه المواجهة بين روسيا والغرب.

كان للتحول آثار سلبية على روسيا، حيث خشيت أن تتقلص تجارتها، وتزيد مع الغرب، ويمكن لإيران أن تعمل كبديل لروسيا كمصدر للغاز الطبيعي لأوروبا، على الرغم من أن القيام بذلك قد يستغرق سنوات عدة، كما أن العلاقات الودية بين إيران والغرب يمكن أن تسمح لدول السوفيت السابقة في القوقاز وآسيا الوسطى بتصدير النفط من وإلى إيران، مما يقلل من اعتمادها الاقتصادي على روسيا.

وجاء إعلان موسكو عام 2015 بأنها ستسمح ببيع صواريخ الدفاع الجوي إس -300 لإيران، أملا في أن تواصل طهران النظر إلى موسكو كمورد للأسلحة حتى لو تحسنت العلاقات الإيرانية الغربية.