موضوعات الخاصة

كورونا يطيّر عمامات الملالي بطهران

المجلس الأطلسي الأمريكي: سببان وراء الانتشار السريع للفيروس في إيران مقبرة جماعية ضخمة بحجم ملعبي كرة قدم لدفن الضحايا في قم المرشد استدعى نظريات المؤامرة وتحدث عن حرب بيولوجية شعبية نظام الملالي وصلت للحضيض قبل تفشي المرض القاتل فاينانشال تايمز: كورونا ضرب طهران أكثر من عقوبات ترمب

هل يطيّر فيروس كورونا المستجد القاتل عمامات الولي الفقيه في إيران ويساهم في زلزلة الأرض تحت أقدام نظام الملالي الذي ظل يحكم البلاد منذ 41 عاما؟

سؤال مثير للاهتمام طرحه المجلس الأطلسي الأمريكي، في تغطيته للانتشار السريع للفيروس القاتل الذي تسبب في شل حركة إيران، وحصد الكثير من الضحايا، وبعض القريبين من المرشد الأعلى علي خامنئي.

تساءل تقرير المجلس أيضا: كم عدد الصدمات التي يستطيع النظام السياسي الايراني استيعابها ويبقى في السلطة؟ ملمحا إلى قدرته العجيبة على الهروب مع العقوبات الأمريكية، وخداع العالم كله بأساليب ملتوية قللت من وقع الضربات الموجعة التي يتلقاها.

وأشار إلى الوضع الاقتصادي المزري الذي عانت منه طهران قبل تفشي الفيروس، مما دفعها في نوفمبر الماضي إلى رفع أسعار البنزين، ومواجهة احتجاجات شعبية واسعة النطاق قام النظام بسحقها بوحشية، بتكلفة تراوحت بين مئات الأشخاص وأكثر من ألف شخص.

مقابر جماعية

وفي حين أظهرت صور الأقمار الصناعية في قم حفر مقبرة ضخمة جديدة بطول ملعبي كرة قدم لدفن المتوفين من جراء الوباء، انتشرت العدوى في صفوف الحكومة الإيرانية، مما أسفر عن وفاة اثنين من أعضاء البرلمان وعضو في مجلس تشخيص مصلحة النظام، وهي هيئة تقدم المشورة للزعيم الأعلى آية الله علي خامنئي وتسوي النزاعات بين الفروع الحكومية، كما أصيب بالعدوى مستشار خامنئي منذ فترة طويلة علي أكبر ولايتي، بالإضافة إلى نائبين للرئيس ونائب وزير الصحة، المكلفين بإدارة الاستجابة للوباء، وتم تصوير نائب الوزير في مؤتمر صحفي يعرق بغزارة قبل يوم واحد من تشخيصه مصابا بكورونا.

نظرية المؤامرة

استجاب نظام الولي الفقيه متأخرا، وألقى اللوم على الآخرين، وسعى أيضا إلى الحصول على إغاثة طارئة في شكل قرض بقيمة 5 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي، وهو الأول من نوعه.

وغرد المرشد الأعلى علي خامنئي مؤكدا أن هناك دليلا على أن الفيروس كان نتيجة حرب بيولوجية، وهي نظرية مؤامرة تبنتها أيضا السيناتور الأمريكية توم كوتون، على الرغم من أنها ألقت باللوم على الصين، بينما أشار خامنئي إلى خصوم إيران، الولايات المتحدة وإسرائيل.

كورونا أم العقوبات؟

السؤال الكبير الذي يثار في الولايات المتحدة الأمريكية الآن: لماذا يضرب الفيروس المميت إيران بشكل أقوى من العقوبات الأمريكية؟

صحيفة فاينانشال تايمز تحاول البحث عن إجابة فتقول «منذ ما يقرب من عامين تعهد القادة الإيرانيون بمقاومة العقوبات الأمريكية التي أدت إلى خنق الاقتصاد، حتى إن الرئيس حسن روحاني أشار إلى أنه تم إنجاز المهمة عندما خاطب الأمة في فبراير الماضي، وقال روحاني مع تلميح غير مقنع: لم نشهد في تاريخنا على الإطلاق اقتصادا بدون نفط، لقد أدركنا أنه يمكننا الحكم بدون نفط.»

بعد ثلاثة أيام أبلغت إيران عن أول حالات إصابة بفيروس كورونا، لم يؤد التفشي إلى أزمة صحية فحسب، بل كشف أيضا عن هشاشة آليات البقاء في إيران. ويرى البعض أن كورونا ضرب طهران أكثر من عقوبات ترمب، حيث أدى إلى اختناق عدد من طرق التجارة الإقليمية التي أصبحت البلاد أكثر اعتمادا عليها على مدى العامين الماضيين.

وفي الأسابيع التي تلت ذلك ارتفع عدد الإصابات إلى أكثر من 25 ألف، وبلغ العدد الرسمي للمتوفين ما يقارب 2000 شخص، ونتيجة لذلك أصبحت ايران أكثر عزلة من أي وقت مضى، في انتظار المساعدات الدولية، بما في ذلك قرض صندوق النقد الدولي.

انخفاض الشعبية

كانت شعبية نظام الملالي في الحضيض قبل تفشي فيروس كورونا، ولم تتجاوز المشاركة في الانتخابات البرلمانية 20% في طهران و 40% على الصعيد الوطني وفقا للأرقام الرسمية، لكن التوقعات بشأن مستقبل إيران السياسي محفوفة بالمخاطر حتى الآن، حيث لا توجد علامات على انهيار النظام رغم كل التحديات التي تواجهها البلاد والتنبؤات المحمومة في الغرب وداخل إيران نفسها، بأن تغيير النظام وشيك.

ساعدت الأزمات المتعددة في ترسيخ قوة العناصر الأكثر تشددا في الدولة، وشوهت سمعة أولئك الذين سعوا إلى موقف أقل حدة في المواجهة تجاه الغرب.

إغلاق الحدود

باستثناء الخطوط القطرية التي ما زالت تفتح مجالها الجوي مع طهران، أغلقت إيران حدودها مع العراق وتركيا وباكستان وأفغانستان وأرمينيا، وتم فرض قيود على المعابر والتجارة.

يقول الاقتصادي الإيراني سعيد ليلاز «لقد سبب الفيروس التاجي ضربة أشد لاقتصاد إيران من العقوبات الأمريكية خلال فترة قصيرة جدا».

برعت طهران في الالتفاف على العقوبات الأمريكية، ويروي رجال الأعمال الإيرانيون حكايات عن وسطاء يجتازون المنطقة بحقائب مكتظة بمئات الآلاف من الدولارات، حيث تم تطوير شبكة معقدة وإنشاء مكاتب خارجية وشركات أمامية للحفاظ على تدفق البضائع والأموال، وإن كان ذلك بتكلفة أعلى وبأوقات تسليم أطول.

تسعى إيران إلى إنتاج غذاء يكفي سكانها الذين يتجاوز عددهم 80 مليون نسمة، وتستحوذ الشركات الإيرانية على حوالي 70 % من احتياجات الأدوية في البلاد، ويتم استيراد الباقي. إما الأدوية الجاهزة أو المدخلات فلم تتم معاقبة أي من القطاعين، لكن صعوبة إجراء المعاملات المالية، مع وجود عدد قليل من البنوك الراغبة في لمس أي شيء مرتبط بإيران، أدت إلى نقص في بعض الأدوية المتخصصة، مثل أدوية السرطان، والآن معدات مكافحة الفيروسات التاجية.

خوف وفوضى

قبل تفشي الفيروس كان المسؤولون الإيرانيون يعرفون أنهم لا يستطيعون إخفاء الأضرار التي ألحقتها العقوبات الأمريكية، حيث انخفضت صادرات النفط من 2.8 مليون برميل في اليوم قبل عامين إلى بضع مئات الآلاف، ويقدر صندوق النقد الدولي انكماش الاقتصاد بنسبة 9.5% العام الماضي، حيث فقد الريال أكثر من 50% من قيمته في الأشهر التي تلت انسحاب ترمب من جانب واحد من الاتفاق النووي، وارتفع التضخم فوق 40 % وفرت الشركات الأجنبية من البلاد.

وهناك اعتقاد متزايد ـ بين المسؤولين على الأقل ـ بأن إيران تثبت أنها يمكن أن تمتص الصدمات، ويعود ذلك جزئيا إلى أنه في استعداداتها للصدمات المتعلقة بالعقوبات، جمعت احتياطيات غذائية.

قبل سبعة أشهر كانت الشركات شبه الحكومية مثالا صارخا على الأضرار التي ألحقتها العقوبات الأمريكية بقطاع الصناعات التحويلية في البلاد، حيث قام الشركاء الأجانب بما في ذلك بيجو ورينو بتعليق عملياتهم في إيران، واجتاح الخوف والفوضى الصناعة، وهي أكبر جهة توظيف في القطاع الخاص في إيران، حيث فُقدت آلاف الوظائف وظل ما يقرب من 200 ألف سيارة جديدة غير مكتملة مع جفاف خطوط الإمداد للأجزاء المستوردة من أوروبا.

خبرة في الهروب

يملك الإيرانيون 4 عقود من الخبرة في التأقلم والتهرب من العقوبات، ولا تزال الصين وجهة التصدير الرئيسة لإيران، لكن الدول المجاورة للعراق وتركيا وأفغانستان من كبار المشترين للنفط الخام في البلاد قبل العقوبات الأخيرة كمستوردين للسلع الإيرانية.

يوضح بائع في متجر للأجهزة الكهربائية أن شركته تجلب البضائع من آسيا عبر وسيط عراقي، مع نقل 500 ألف دولار في حقائب من طهران إلى بغداد. ويقول إن الأسعار ارتفعت أربع مرات تحت العقوبات، لكن الإيرانيين «سيذهبون بدون طعام لشراء هواتفهم.

أصبحت تركيا، التي تستورد الغاز الإيراني، واجهة مفضلة لرجال الأعمال الإيرانيين لإنشاء مكاتب أو تحديد مواقع الممثلين لمواصلة التجارة. وأسس الإيرانيون أكثر من 2000 شركة في تركيا خلال عامين فقط حتى عام 2019. وبعضهم اشترى عقارات بقيمة 250 ألف دولار لتأمين جوازات سفر، الأمر الذي يجعل من السهل القيام بأعمال تجارية.

لماذا انتشر الفيروس سريعا؟

ضرب فيروس كورونا المستجد إيران بشدة، وأدى سببان مباشران إلى الانتشار السريع للفيروس في إيران، أولهما الاستمرار في زيارة الأضرحة الموجودة في مدينة قم وقتا طويلا قبل إغلاقها، وثانيهما عدم إغلاق المجال الجوي مع الصين، بؤرة المرض وشريان الحياة الاقتصادي للإيرانيين، وتحولت محافظة قم مع الوقت إلى بؤرة محلية لانتشار الفيروس.

وفي حين تشير الأرقام الرسمية إلى ما يقارب من 30 ألف مصاب، وصل عدد حالات الوفاة إلى 2000 شخص، وسط توقعات بأن تكون الأرقام الفعلية أعلى بكثير.