الرأي

كورونا والنظام العالمي القريب

علي المطوع
رأيت فيما يرى النائم أنني في عام 2050 وأن كورونا الوحش قد انكفأ على نفسه مستعمرا الشعاب والأودية، وأن العالم قد استفاق وعاد يحاول النهوض والبناء من جديد بعد تلك الجائحة العظيمة التي أهلكت الحرث والنسل.

في المنام نفسه شاهدت فيلما وثائقيا يحكي قصة هذا الفيروس، وكيف تمكن من اكتساح القارة الصفراء أولا، وكيف استطاعت الصين اكتشاف دواء لمصابيه، وشاهدت في الفيلم أمريكا زمن ترمب وهي في سباق مع الزمن لهزيمة الصين والعالم آنذاك، وكيف تداولت بعض وكالات الأنباء في ذلك الزمن خبرا مفاده بأنها على وشك إنتاج ترياق يحمي الناس من شر هذا الفيروس، الغريب أن الناس في عز أزمتهم في ذلك الزمان كانوا يبحثون عن الدواء الناجع والإعلام الأمريكي يبالغ كعادته فيعلن اختراع الفاكسين!

رأيت أيضا القارة العجوز وهي تزداد عجزا وقلة حيلة، فالفيروس اللعين عرى نظامها الصحي، وقبل ذلك صادر مصداقية رؤسائها ومفكريها الذين طالتهم تهم بالفساد والتقصير والخيانة.

في فرنسا أصحاب القمصان الصفراء يتزايدون ويمارسون عصيانهم المدني والجوع يقتلهم والنخب السياسية في فرنسا تعد بإصلاحات عديدة، زعماء هذه الفئة يطالبون الحكومة بالخبز، والأخيرة تقترح عليهم الكعك بديلا له كونه يجمع القمح مضافا إليه الحليب والسكر.

الديمقراطية الغربية تنهار تحت وطأة الجوع والفقر ونخب فرنسا تواصل تجاهل مطالب المحتجين الصفراء، الفاقعة اللون والمخبر والمظهر.

رأيت المملكة المتحدة تنهار وتنفصل إلى أقاليمها المعروفة، الملكية المطلقة تعود إليها كنظام حكم، والنظام البرلماني سقط تحت وقع تأثيرات كورونا الذي غير كل شيء هناك، ليعيد التاريخ نفسه وتتغير الجغرافيا تبعا لذلك.

ألمانيا تدشن الرايخ الرابع، وإيطاليا تعيد أمجاد روما، ومحاكم التفتيش تستعر ظلما في إسبانيا من جديد.

أما أمريكا فقد نشبت فيها حرب أهلية أعادت الذكريات الأليمة، والولايات القديمة تجزأت إلى ولايات أكثر وأصغر، وباتت تعيش عصرا شبيها بعصر الطوائف في الأندلس، تناحر وتقاتل وفرقة وخراب، كل ذلك بسبب كورونا ذلك الكائن المجهري الذي فتك بالمفاهيم قبل الناس، دمر كل شيء وغير كل شيء، وصنع لعنة التاريخ هنا التي صادرت الجغرافيا ونعيمها.

الهنود الحمر يعودون محملين بأحقادهم وثاراتهم، مجازر يرتكبونها ضد البيض الغاصبين، أمريكا اليوم تاريخ بلا جغرافيا واضحة، وقوميات بلا وطن ولا مواطنة.

الصين تسود العالم وتبدأ في إعادة هونج كونغ إلى بيت الطاعة، وبعد ذلك تصنع نظاما عالميا جديدا وتنشئ (عصابة) للأمم ومجلسا للأمن برئاستها وعضوية من استن بسنتها واهتدى بهديها، لها وحدها كدولة عظمى حق الإقرار والقبول والنقض.

شعرت بخوف شديد فبحثت عن العرب في هذا العالم الجديد علّي آوي إليهم، وجدتهم كعادتهم غارقين في حكاياتهم القديمة، ظواهر صوتية متعددة تعيد اجترار الألحان القديمة لا صوت لهم ولا صدى، لا صناعة لهم ولا تقدم، عالة على العالم ونظامه الجديد، كالعادة تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى.

نسيت أن أقول لكم شيئا مهما رأيته، إن إسرائيل ما زالت لا تلتزم بمقررات مدريد ولا أوسلو ولا ما بعدها من مبادرات واتفاقيات، والفلسطينيون يلهثون وراء أكذوبة اسمها حكم ذاتي في قطاع غزة والضفة الغربية، من خلال دولة مستقلة عاصمتها القدس الشريف.

بالمناسبة، مجلس الأمن (بالإرجاء) يدين إسرائيل وسياساتها التوسعية، الصين كعادة الإمبرياليين على مر العصور، تستخدم حق النقض الفيتو لوأد هذا الحق العربي من جديد.