الرأي

بائعو القش على الغرقى!

سنابل موقوتة

عبدالله المزهر
في كل أزمة أو حدث تظهر كائنات غريبة، لا تعلم من أين تأتي ولا كيف تتكاثر، وكنت قبل بضعة أيام قد تحدثت عن فئة من هؤلاء تستغل حاجة الناس لضروريات حقيقية، فترفع أسعارها وتجد في كل مناسبة سعيدة كانت أم حزينة فرصة سانحة لجني مزيد من الأموال، وزيادة الأرصدة من القناطير المقنطرة من الريالات والدولارات.

اليوم سأتحدث عن فئة أخرى من هذه الكائنات الطفيلية التي تقتات على وجع الناس، وأعني الفئة التي تبيع الوهم على الباحثين عن الأمل.

في أزمة كورنا تعمل مراكز الأبحاث العالمية على مدار الساعة، وفيها علماء أفنوا ما ذهب وسيفنون ما بقي من أعمارهم في الدراسة والبحث والتجارب، وما زال كل هؤلاء العلماء حتى هذه اللحظة عاجزين عن الوصول إلى لقاح شاف أو مقاوم لهذا الفايروس المستجد، والدول العظمى السابقة في مجال البحث العلمي تمسك بتلابيب بعضها البعض في صراع محموم نحو الوصول إلى هذه الغاية.

وفي العالم الموازي، يظهر من العدم من يحلف أغلظ الأيمان أنه جرب بنفسه أن تناول جنين نملة مطحون في زيت نفط - خام برنت - وعسل وليمون سيقضي على الفايروس، وعلى كل أفراد تنظيم الفايروسات الإرهابي، ثم يطلب منك الدعاء ونشر مقطعه للبشرية حتى تتناول «خلطته» وتنجو بنفسها.

هؤلاء لا يحتاجون لا معامل ولا مراكز أبحاث، كل ما يحتاجونه هاتف حديث تتوفر فيه كاميرا جيدة وتطبيق الواتساب.

والمحير في هؤلاء أنهم في الغالب لا يكسبون أموالا من ترويجهم لمثل هذا الهراء، ولو كانوا لصوصا لكان الأمر متفهما، لكنهم في الغالب يوزعون وصفاتهم مجانا، وهذا أمر وجدت أنه من الصعب علي استيعابه، خاصة في هذه الأيام التي أكاد أعجز فيها عن فهم أي شيء.

وفي هذا المجال الحيوي «الوسخ» فإن هذه الكائنات درجات ومراتب، ففيهم المستجد وفيهم الخبير، وبين هذا وذاك درجات ومراتب وأصناف أخرى.

أتذكر قبل سنوات كيف كان «الشيخ» عبدالمجيد الزنداني - بدون ذكر أسماء - يحلف أيمانا مختلفة الأنواع أنه وجد علاجا لفايروس «الإيدز»، وأن مسألة القضاء عليه لا تتجاوز الوقت الذي يقضيه المهاجر من مكان مرضه إلى جامعة الإيمان.

ولأنها ذرية بعضها من بعض فقد أعلن «الشيخ» محمد نجل الشيخ عبدالمجيد - دون ذكر أسماء - من مقر إقامته في تركيا أنه اخترع مصلا ناجحا للقضاء على فايروس كورونا، فعل ذلك بإعجاز وعبقرية مع أنه لم يدخل صيدلية من قبل، ناهيك عن أن يكون لديه علم حتى عن شكل المختبر.

وفي معضلة الفهم التي أعيشها هذه الأيام، فإن ما يريده الوالد وولده وكل من نحا نحوهما وسار مسارهما واقتفى أثرهما أشياء يبدو فهمها وإدراكها أمرا صعبا وعصيا، وأكبر من أن تستوعبه قدراتي العقلية المحدودة.

وعلى أي حال..

لا أخفيكم أني فكرت أثناء خلوتي في اختراع خلطة تشفي من الغباء وتعالج الأنانية، ولكني منحوس وخشيت أن يصدر قانون يلزم كل من يروج لعلاج أو يلوح بقشة للغرقى بأن يحقن بالمرض ثم يجرب علاجه على نفسه، سيكون الأمر محبطا، خاصة أن لدي من الأنانية والغباء ما يكفي حاجتي. ولذلك تريثت فلعل هذا يحدث بالفعل قبل أن أبدأ.

agrni@