الرأي

الخبرات المتعاضدة multi-experiences

جبريل العريشي
حسب مؤسسة جارتنر الدولية للأبحاث فإنه بحلول عام 2028 سيحدث تحول كبير في كيفية إدراك المستخدمين للعالم الرقمي، وفي طريقة تعاملهم معه، حيث سيجري دمج أعداد كبيرة من المنتجات والتقنيات في نموذج حاسوبي جمعي طبقا لمفهوم يدعى «الخبرات المتعاضدة» multi-experiences.

وفي إطار هذا التحول سينتقل نموذج الحوسبة من نموذج المستخدمين المتمرسين على استخدام التكنولوجيا، وهو النموذج السائد في الوقت الراهن، إلى نموذج التكنولوجيا التي تتفهم متطلبات المستخدمين، وهو نموذج ينتقل فيه عبء معرفة النوايا من المستخدم إلى البيئة الحاسوبية.

وفي هذا النموذج الجديد، سيتعاظم دور منصات التفاعل بصورة تؤدي إلى تغير الطريقة التي يتبعها الأشخاص في التخاطب مع العالم الرقمي من جانب، وإلى تغير الطريقة التي ينظر بها الناس إلى هذا العالم من جانب آخر، خاصة مع انتشار تقنيات الواقع الافتراضي (VR)، والواقع المعزز (AR) والواقع المختلط (MR).

وسيؤدي هذا التغير إلى خلق نموذج جديد للحوسبة تتعدد مستشعراته كما تتعدد وسائطه في الوقت نفسه.

فبعد أن كان نموذج الحوسبة، وهو النموذج الحالي، يجري فيه استخدام نقطة تفاعل واحدة لتوصيل الأشخاص بالبيئة الحاسوبية من خلال جهاز يطلق عليه «الحاسوب»، فإنه في النموذج الجديد سيبدو هذا «الحاسوب» كشيء غريب وقديم، حيث سيكون هناك نقاط تفاعل متعددة، تتعدد فيها وسائل اللمس ووسائل الإدخال بتعدد الحواس البشرية، وتتنوع ما بين الأجهزة القابلة للارتداء مثل النظارات والقفازات والسماعات، والأجهزة المركبة بالسيارات، وأجهزة استشعار البيئة، والأجهزة المنزلية، وغيرها. أضف إلى ذلك استخدام جميع المعلومات الرقمية التي توفرها هذه البيئة الغنية بالأجهزة، مثل الحرارة والرطوبة والموقع الجغرافي وغير ذلك حسبما يقتضي الأمر، بحيث يجد المرء نفسه محاطا بمخرجات البيئة الرقمية من كل جانب.

ومع ذلك، ترى مؤسسة جارتنر أن هذا التحول سيحدث ببطء، ابتداء من عام 2029 وما بعده، حيث ستؤدي مخاوف اختراق الخصوصية بصفة خاصة إلى تثبيط الحماس بشكل قد يؤدي إلى العزوف عن هذا النهج الذي ينطوي على تكامل المنتجات والتقنيات.

كما أنه من المنظور التقني، فإن دورات الحياة الطويلة لأجهزة المستهلكين، وكذلك التعقيد المصاحب لوجود الابتكارات الحاسوبية مستقلة عن بعضها البعض، سيشكلان - معا - حاجزا هائلا يحول دون تحقيق هذا التكامل بطريقة سلسة، بحيث لا يتوقع في المدى القريب الوصول إلى المرحلة التي يجري فيها تشغيل/ توصيل الأجهزة والتطبيقات والخدمات في هذا النموذج الحاسوبي الجمعي بصورة تلقائية plug and play.

ولكن - حسب جارتنر- سيكون هناك في المدى القريب تكاملات محدودة لأنظمة «جزئية» تجمع بين بعض الأجهزة والابتكارات التي تتكامل مع بعضها البعض حسب سيناريوهات مختلفة. وستزداد بعد ذلك فرص التحول إلى نماذج أكثر قوة مع التطور التدريجي لهذه السيناريوهات، بحيث تشمل أجهزة أخرى وقنوات استشعارية جديدة تستهدف دعم بيئات بعينها. وسيزداد الاقتراب تدريجيا من نموذج «الخبرات المتعاضدة» multi-experiences مع زيادة عدد التطبيقات والأجهزة وأساليب التفاعل التي تتكامل فيما بينها - بسهولة - عن طريق أسلوب التوصيل والتشغيل التلقائي plug and play.

jarishee@yahoo.com