التكامل المؤسسي وترابط السياسات للحفاظ على المياه
الاثنين / 30 / جمادى الآخرة / 1441 هـ - 20:00 - الاثنين 24 فبراير 2020 20:00
المياه في قلب التنمية المستدامة وأساس الحياه، فلا بقاء للإنسان دونها، وهي ضرورية للطاقة وإنتاج الغذاء وسلامة النظم الإيكولوجية والتنمية الاقتصادية الاجتماعية، ووفقا لمنظمة الصحة العالمية (2019) هنالك 2.2 مليار فرد في العالم يفتقدون إلى الوصول إلى خدمات مياه الشرب المأمونة، وبحسب منظمة اليونيسكو (2017) فإن 80% من مياه الصرف الصحي تعود للنظام الإيكولوجي دون معالجتها أو إعادة استخدامها.
وعلى الصعيد الإقليمي ذكرت دراسة جديدة لمجموعه البنك الدولي (2018) أن موارد المياه الجوفية تنضب بوتيرة سريعة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وإذا استمر نهج بقاء الأمور على حاله في استغلال هذه الموارد الشحيحة من المتوقع أن تتلاشى خلال نحو 30 عاما، وسيكون لذلك تأثير مدمر على المجتمعات المحلية وموارد كسب الرزق التي تعتمد على هذه المياه، حيث سينخفض الإنتاج الزراعي في بعض البلدان بنسبة قد تصل إلى 60%، وهنا يتضح أن شح المياه سيتفاقم في جميع بلدان الإقليم على مدى العقود المقبلة، وسيكون السبب الغالب في ذلك تزايد الطلب.
تاريخيا في بعض الدول جرت العادة على أن تكون المياه والطاقة والزراعة، وكذلك التغير المناخي، محل تركيز سياسات منفصلة، وكل قطاع على حدة للتركيز على الاحتياجات المستقلة لكل قطاع، كل منها بتخطيطه الاستثماري المنعزل عن الآخر، وهذا الحال كان جليا في المملكة العربية السعودية قبل دمج قطاعات البيئة والمياه والزراعة، مما أدى إلى سياسات غير متسقة وغير منسقة، نتج عنها تباين كبير في وجهات النظر، وانعكس سلبا على الأداء في ضوء غياب التخطيط التكاملي لهذه الموارد.
هذا النهج في مسألة الترابط بين الموارد المائية وموارد الطاقة والغذاء نادت به عديد من المؤتمرات الدولية ،كمؤتمر بون عام 2011، وأصبح الاهتمام به شائعا على المستوى العالمي، وتم إدراك أهميته في صنع القرار، وحاز اهتماما متزايدا من قبل صناع القرار في العالم، فربط سياسات الموارد يركز على الكفاءة الكلية للنظام، وليس فقط إنتاجية القطاعات المعزولة، وبالتالي تعظيم الفوائد المقدمة للمجتمعات.
ففي مؤتمر ريو + 20 جرى التركيز بصورة خاصة على العلاقة التي تربط هذه الموارد عند مناقشة الزراعة المستدامة والمدن المستدامة والصحة والتنوع البيولوجي والتصحر، وغيرها من المواضيع، ومما يشار إليه أن الربط بين الموارد المائية والأمن الغذائي والطاقة إحدى الأولويات التي حددتها مجموعة الفكر (T20) ضمن أعمال مجموعة العشرين التي تستضيفها المملكة هذا العام، للعمل من خلالها نحو صياغة سياسات تعرض على قادة مجموعة العشرين لاتخاذ ما يلزم حيال تفعيلها بما سينعكس إيجابا على البشرية جمعاء.
يعد التكامل المؤسسي نهجا دوليا حديثا يهدف إلى تحقيق مستوى أعلى من التعاون بين الجهات الحكومية المعنية بوضع استراتيجيات وسياسات لإدارة الموارد للمستقبل، ومن نماذج
المؤسسات المتكاملة إجراء المملكة العربية السعودية خطوة رائدة فيما يتعلق بتبني فكر ونهج الترابط بين قطاعات البيئة والمياه والزراعة، وتمثل ذلك في نقل المهام والمسؤوليات المتعلقة بقطاعي البيئة والمياه إلى وزارة الزراعة، مما أسهم في تخطيط وإدارة هذه القطاعات الحيوية الثلاثة بشكل متكامل، والأخذ في الاعتبار تأثيرات كل قطاع على الآخر، والمخاطر المصاحبة لهذه القطاعات على بعضها، والاستفادة من فرص التآزر فيما بينها، لتحقيق الكفاءة والعدالة والاستدامة في استخدام الموارد.
ويأتي توجيه مستشار خادم الحرمين الشريفين، أمير منطقة مكة المكرمة، الأمير خالد الفيصل كل الجهات الحكومية بالتنسيق مع إمارة المنطقة بوضع خطة عمل وبرنامج زمني لا يتجاوز ثلاثة أعوام لتنفيذ مشروع للاستفادة من المياه المهدرة والمياه المعالجة واستخدامها في التشجير والتوسع في الرقعة الخضراء بمحافظات المنطقة على أن يبدأ التنفيذ العام الحالي؛ توجها استراتيجيا رائعا يجري من خلاله تعزيز التفكير والعمل التكاملي بين الجهات للعمل بروح الفريق الواحد، بما ينعكس إيجابا على الأداء وبلوغ الأهداف التنموية.
وفي ضوء رؤية 2030 أطلقت وزارة البيئة والمياه والزراعة عددا من المبادرات الطموحة، ستسهم بها في تحقيق مستهدفات برنامج التحول الوطني ،2020 ومن الأهداف ذات الصلة بالمياه المهدرة والمعالجة التي تسعي الوزارة لتحقيقها رفع كفاءة الاستهلاك البلدي والزراعي، حيث وضع عدد من المؤشرات في هذا الإطار، منها مثلا خفض نسبة الفاقد من المياه من 25 % إلى 15 %، وخفض حجم استهلاك المياه للأغراض الزراعية من المياه غير المتجددة من 17 إلى 10 مليارات متر مكعب، وخفض معدل الاستهلاك البلدي للمياه من 256 إلى 200 لتر لكل فرد في اليوم.
ففي ترشيد كل متر مكعب من الماء في القطاع البلدي هناك توفير في التكاليف المالية والاقتصادية والبيئية التي من ضمنها الانبعاثات الغازية، ومن ضمن المبادرات الموجهة لضمان استدامة الإمداد من المياه لمواكبة الطلب المتنامي مبادرة إعادة استخدام مياه الصرف الصحي المعالجة، إما لأغراض بيئية، ومنها على سبيل المثال التوسع في الرقعة الخضراء بالمحافظات أو بهدف زراعة الأعلاف باستخدام المياه المعالجة ثلاثيا.
أصبحنا اليوم وفي ضوء رؤية 2030 أكثر تقاربا وفهما لأهدافنا التنموية، وفي حاجة إلى التعاضد والتآزر بين الجهات الحكومية والقطاع الخاص والمجتمع المدني لتحقيق الأهداف التنموية، كما أن هنالك حاجة إلى تحطيم النهج التقليدية المنعزلة كي تكون السياسات أكثر فاعلية، فالسياسات التكاملية تحتاج إلى قيادات ملهمة قادرة على إحداث التغيير، لتحقيق تطلعات قيادتنا الرشيدة، ومشروع الاستفادة من المياه المهدرة والمياه المعالجة بمنطقة مكة المكرمة أحد النماذج الملهمة التي سيتجسد من خلالها التكامل المؤسسي وتوظيف البحث العلمي ومخرجاته نحو خدمة المجتمع، ونتطلع أن يصبح هذا المشروع قصة نجاح يستفاد من نتائجها لتعمم وتتبناها بقية المناطق.
dralotaibisaad@gmail.com
وعلى الصعيد الإقليمي ذكرت دراسة جديدة لمجموعه البنك الدولي (2018) أن موارد المياه الجوفية تنضب بوتيرة سريعة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وإذا استمر نهج بقاء الأمور على حاله في استغلال هذه الموارد الشحيحة من المتوقع أن تتلاشى خلال نحو 30 عاما، وسيكون لذلك تأثير مدمر على المجتمعات المحلية وموارد كسب الرزق التي تعتمد على هذه المياه، حيث سينخفض الإنتاج الزراعي في بعض البلدان بنسبة قد تصل إلى 60%، وهنا يتضح أن شح المياه سيتفاقم في جميع بلدان الإقليم على مدى العقود المقبلة، وسيكون السبب الغالب في ذلك تزايد الطلب.
تاريخيا في بعض الدول جرت العادة على أن تكون المياه والطاقة والزراعة، وكذلك التغير المناخي، محل تركيز سياسات منفصلة، وكل قطاع على حدة للتركيز على الاحتياجات المستقلة لكل قطاع، كل منها بتخطيطه الاستثماري المنعزل عن الآخر، وهذا الحال كان جليا في المملكة العربية السعودية قبل دمج قطاعات البيئة والمياه والزراعة، مما أدى إلى سياسات غير متسقة وغير منسقة، نتج عنها تباين كبير في وجهات النظر، وانعكس سلبا على الأداء في ضوء غياب التخطيط التكاملي لهذه الموارد.
هذا النهج في مسألة الترابط بين الموارد المائية وموارد الطاقة والغذاء نادت به عديد من المؤتمرات الدولية ،كمؤتمر بون عام 2011، وأصبح الاهتمام به شائعا على المستوى العالمي، وتم إدراك أهميته في صنع القرار، وحاز اهتماما متزايدا من قبل صناع القرار في العالم، فربط سياسات الموارد يركز على الكفاءة الكلية للنظام، وليس فقط إنتاجية القطاعات المعزولة، وبالتالي تعظيم الفوائد المقدمة للمجتمعات.
ففي مؤتمر ريو + 20 جرى التركيز بصورة خاصة على العلاقة التي تربط هذه الموارد عند مناقشة الزراعة المستدامة والمدن المستدامة والصحة والتنوع البيولوجي والتصحر، وغيرها من المواضيع، ومما يشار إليه أن الربط بين الموارد المائية والأمن الغذائي والطاقة إحدى الأولويات التي حددتها مجموعة الفكر (T20) ضمن أعمال مجموعة العشرين التي تستضيفها المملكة هذا العام، للعمل من خلالها نحو صياغة سياسات تعرض على قادة مجموعة العشرين لاتخاذ ما يلزم حيال تفعيلها بما سينعكس إيجابا على البشرية جمعاء.
يعد التكامل المؤسسي نهجا دوليا حديثا يهدف إلى تحقيق مستوى أعلى من التعاون بين الجهات الحكومية المعنية بوضع استراتيجيات وسياسات لإدارة الموارد للمستقبل، ومن نماذج
المؤسسات المتكاملة إجراء المملكة العربية السعودية خطوة رائدة فيما يتعلق بتبني فكر ونهج الترابط بين قطاعات البيئة والمياه والزراعة، وتمثل ذلك في نقل المهام والمسؤوليات المتعلقة بقطاعي البيئة والمياه إلى وزارة الزراعة، مما أسهم في تخطيط وإدارة هذه القطاعات الحيوية الثلاثة بشكل متكامل، والأخذ في الاعتبار تأثيرات كل قطاع على الآخر، والمخاطر المصاحبة لهذه القطاعات على بعضها، والاستفادة من فرص التآزر فيما بينها، لتحقيق الكفاءة والعدالة والاستدامة في استخدام الموارد.
ويأتي توجيه مستشار خادم الحرمين الشريفين، أمير منطقة مكة المكرمة، الأمير خالد الفيصل كل الجهات الحكومية بالتنسيق مع إمارة المنطقة بوضع خطة عمل وبرنامج زمني لا يتجاوز ثلاثة أعوام لتنفيذ مشروع للاستفادة من المياه المهدرة والمياه المعالجة واستخدامها في التشجير والتوسع في الرقعة الخضراء بمحافظات المنطقة على أن يبدأ التنفيذ العام الحالي؛ توجها استراتيجيا رائعا يجري من خلاله تعزيز التفكير والعمل التكاملي بين الجهات للعمل بروح الفريق الواحد، بما ينعكس إيجابا على الأداء وبلوغ الأهداف التنموية.
وفي ضوء رؤية 2030 أطلقت وزارة البيئة والمياه والزراعة عددا من المبادرات الطموحة، ستسهم بها في تحقيق مستهدفات برنامج التحول الوطني ،2020 ومن الأهداف ذات الصلة بالمياه المهدرة والمعالجة التي تسعي الوزارة لتحقيقها رفع كفاءة الاستهلاك البلدي والزراعي، حيث وضع عدد من المؤشرات في هذا الإطار، منها مثلا خفض نسبة الفاقد من المياه من 25 % إلى 15 %، وخفض حجم استهلاك المياه للأغراض الزراعية من المياه غير المتجددة من 17 إلى 10 مليارات متر مكعب، وخفض معدل الاستهلاك البلدي للمياه من 256 إلى 200 لتر لكل فرد في اليوم.
ففي ترشيد كل متر مكعب من الماء في القطاع البلدي هناك توفير في التكاليف المالية والاقتصادية والبيئية التي من ضمنها الانبعاثات الغازية، ومن ضمن المبادرات الموجهة لضمان استدامة الإمداد من المياه لمواكبة الطلب المتنامي مبادرة إعادة استخدام مياه الصرف الصحي المعالجة، إما لأغراض بيئية، ومنها على سبيل المثال التوسع في الرقعة الخضراء بالمحافظات أو بهدف زراعة الأعلاف باستخدام المياه المعالجة ثلاثيا.
أصبحنا اليوم وفي ضوء رؤية 2030 أكثر تقاربا وفهما لأهدافنا التنموية، وفي حاجة إلى التعاضد والتآزر بين الجهات الحكومية والقطاع الخاص والمجتمع المدني لتحقيق الأهداف التنموية، كما أن هنالك حاجة إلى تحطيم النهج التقليدية المنعزلة كي تكون السياسات أكثر فاعلية، فالسياسات التكاملية تحتاج إلى قيادات ملهمة قادرة على إحداث التغيير، لتحقيق تطلعات قيادتنا الرشيدة، ومشروع الاستفادة من المياه المهدرة والمياه المعالجة بمنطقة مكة المكرمة أحد النماذج الملهمة التي سيتجسد من خلالها التكامل المؤسسي وتوظيف البحث العلمي ومخرجاته نحو خدمة المجتمع، ونتطلع أن يصبح هذا المشروع قصة نجاح يستفاد من نتائجها لتعمم وتتبناها بقية المناطق.
dralotaibisaad@gmail.com